إنما للصبر حدود…

لا يستطيع لبنان أن يظلّ مغلول اليدين، مشلول الحركة، ممنوعاً من تأليف حكومة جديدة، عاجزاً حتى عن التمديد لقائد الجيش.

إنها أكثر وأكبر من فضيحة.

وعلى رغم "التمسحة" التي أُصيب بها معظم المسؤولين، والسياسيّين، ومَنْ يسمّونهم قياديّين ومرجعيّين، فإن البلد معرّض لمسلسل من الهزّات والمواجهات التي لا تختلف كثيراً عما تعرّضت له صيدا… والملابسات التي رافقت تلك "التجربة" – اللغز، أو اللغم.

أجل، إنها "ظاهرة" كاملة الأوصاف:

مجلس نواب مدّد لنفسه لا يستطيع أن يعقد جلسة ليمدّد خلالها لسواه. لقائد الجيش العماد جان قهوجي، على سبيل المثال لا الحصر. وبكل تفاؤل. وعلى أساس أزمة وتمرّ.

حكومة تصريف أعمال نسي الناس أنها مستقيلة منذ ثلاثة أشهر وبضعة أيام وبضع ساعات… والخير لقدّام، باعتبار أن الرئيس تمّام سلام الذي سمّاه وكلّفه مئة وأربعة وعشرون نائباً تأليف حكومة جديدة بكل معنى الكلمة ومضمونها، لم تتمكن بعد من إقناع عناتر الساحة بخطورة الوضع والمرحلة من حول البلد الصغير.

حتى اللحظة، وحتى الغد وما بعده، يحار سلام، كما يحار الرئيس نبيه بري ووليد بك جنبلاط من أين تنبت كل تلك العراقيل، وكيف يعملون لتذليلها، باعتبار أنهم كلما داووا جرحاً سال جرح. وكلّما عالجوا طلباً أو شرطاً تعجيزيّاً فرّخت حدائق من التعجيزات، ومن كل الجهات والفئات والأجناس.

العالم العربي ليس متفرّغاً، كالعادة، للوقوف على خاطر بعض المستزعمين، أولئك الذين يريدون كل شيء لهم وحدهم، وكل الوزارات الدسمة "السيادية" التي تبيض ذهباً وألماساً ومليارات، فيما الشعوب والقبائل والطوائف والأحزاب اللبنانيّة، بالاسم على الأقلّ، تتوزّع بولاءاتها وانتماءاتها وجيوشها وأسلحتها لهذه الدولة الغارقة في أنهر من الدماء والدمار، أو تلك الدولة الطموحة التي تغذي الفتن والمصائب… لتوسّع نفوذها ومدى سيطرتها.

والأمثلة شاخصة، ويمكن رؤيتها بالعين المجرّدة والتحدّث معها وجهاً لوجه. ومباشرة من دون منّة المحمول أو الجوّال أو النقّال أو الخليوي…

وعن سابق تصوّر وتصميم فعلوا كل ما من شأنه تعطيل البلد من الناقورة إلى النهر الكبير، وشلّه، وتفريغه من كل العوامل التي تجذب السيّاح من أشقاء وأصدقاء وأعدقاء.

بعد هذا كلّه، وعلى رغم هذا كلّه، يواصل الرئيس سلام مساعيه واتصالاته ولقاءاته بكثير من الإيجابيّة والتجاوب، آملاً في أن يحسّ المعرقلون والمعطّلون على دمهم، مؤكّداً لمن يهمهم الأمر أنه يستعين على حالات التأليف بقول مأثور للإمام علي بن أبي طالب: "سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، وسأصبر حتى ينظر الرحمن في أمري، وسأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على أمرّ من الصبر".

إنما للصبر حدود، كما يردّد تمام سلام مع أم كلثوم. وخلال مهلة محدّدة سيبتّ المسألة بما يخدم المصلحة الوطنيّة.

السابق
حدوتة مصرية اخيرة
التالي
شعب مصر وعظمة الإنتصار