إختراع جديد صديق للبيئة.. يحول النفايات الى فحم بـ15 دقيقة

بكبسة زر ستتحول النفايات الى فحم صديق للبيئة، هذه ليست مزحة بل "إنه النبض السريع للتفحم" الذي يحويل النفايات العضوية الصلبة Organic (التي تحتوي على مادة الكربون) لمياه مقطرة«Distilled»، وفحم «Carbon» في 15 دقيقة على حرارة 400 درجة مئوية، والضغط مقياسه 10 بار، وحدها الـ15دقيقة تغير معادلة النفايات، 15 دقيقة تقلب موازين لعبة البحث والتنقيب عن حل لأزمة علقت بشباك "القيل والقال" وحتى الساعة لم تختمر حلا، رغم أن الحل قدمه البروفسور اللبناني جميل ريما، عبر «المنشط الحراري للانتشار» الذي يحول النفايات الى فحم، والذي نال عليه براءة اختراع من الدولة اللبنانية تحمل الرقم 9444 عام 2011 بعد أن اخترعه في عام 2009»، ويقوم على معالجة سريعة للنفايات بطريقة صديقة للبيئة مائة في المائة. ولكن كيف يعمل جهاز النبض السريع، وفق اي طريق وما هي المراحل التي يمر بها حتى تصبح النفايات الصلبة والمنزلية فحما طبيعياً؟

كنز مسروق

فبعد أن بات لبنان يعوم على بحر من النفايات، جاء إختراع "النبض السريع للتفحّم" ليحل أزمة إختنق لبنان منها، وأغرقته في مستنقع سرطاني إسمه التلوث البيئي. فهذا المشروع الاول من نوعه ليس على مستوى لبنان فحسب، إنما على مستوى العالم سيخفف من كباش النفايات المتفاعلة في لبنان، وجبل نفايات صيدا شاهد حي على حجم الكارثة الذي تطوق لبنان بملوثاته. جبل وصلت نفاياته حتى شاطئ مرسيليا الفرنسي بحسب تقرير أحدى القنوات الفرنسية، بعد مخاض عسير وحمل ثقيل لنفايات عجزت كل أدوات الدولة اللبنانية ومفاتيحها من الإنتقال الى قطع حبل سرّة النفايات، ووضع حد لإلتهابات البيئة التي أهلكها حجم النفايات التي بلغ معدلها الفردي بين 750 و 1000 غرام يوميا، وضع جميل ريما إبن بلدة بلدة شبعا إبتكاره الناجع على سكة الحل. ولكن من يستوعب الامر، ومن يتلقف إبتكارات اللبنانيين ويعمل على الإقتياد بها؟ ولكن المؤكد في لبنان النفايات كنز السرقة للشركات الخاصة وبالتالي التخلي عن كافة الحلول الاخرى، وبعد مد وجزر في عملية التبذير في البحث عن حل يوازي "صفر" نفايات ومعالجة من هنا وهناك، ولد إبتكار اللبناني جميل ريما "التفحيم بالنبض السريع الذي لم يكن عبثيا بل كان وليدة أزمة مستعصية طوقت بيئة لبنان بألسنتها التلوثية، فالإبتكار العلمي بحسب ريما "يخفف من أزمة النفايات التي تعتبر أحدى التحديات الهامة التي تواجه كثيرا من الدول العربية ومنها لبنان، لما تشكله من مخاطر على صحة الإنسان" إذ تشكل النفايات الصلبة، نفايات المنازل والطرق والمحال التجارية، نحو 1.7 مليون طن في السنة، أي ما يعادل نحو 0.9 كيلوغراما لكل فرد تقريبا، إضافة إلى مخلفات المستشفيات (ومن ضمنها الدماء)، ومخلفات المسالخ، والأدوية المنتهية الصلاحية، والتي تكلف الدولة اللبنانية مبالغ باهظة بالعملة الخضراء لإعادة الإفادة منها. ويستثني منه الزجاج والحديد وغيرهما من البقايا الخالية من مادة الكربون «Inorganic».

فحمٌ صديق للبيئة

وتكمن قيمة الإبتكار السريع في كونه يعالج النفايات بطريقة "النبض السريع" والتي تتركز حركته التحولية وفق ريما على "تحويل النفايات الى فحم صديق للبيئة وبمدة خمس عشرة دقيقة، فحم يساهم في تأمين التدفئة فترة الشتاء القارس ويحد من أفة قطع الأشجار وتحويلها إلى فحم، ويساعد اصحاب المعامل التي تنتج الترابة أيضا بدلا من مادة الفيول أو المازوت وبالتالي اكثر من حل في واحد يساهم في إنتاج الكهرباء النظيفة الخالية من التلوث. وهنا يقول ريما "أن احتراق المازوت ملوث كبير للبيئة، في حين أن احتراق الكربون الصافي لا يلوثها إطلاقا، إضافة إلى أنه أقل كلفة من ثمن المواد المحترقة".
ويسعى ريما عبر إبتكاره الذي دخل حيز التنفيذ في العام 2011 وتخطت تكلفته الـ200 ألف دولار، (وأسهمت الجامعة اللبنانية والتي سبق أن عمل بها مدرسا في كلية العلوم التابعة لها بمبلغ 6 ملايين ليرة، فيما تحمل ريما المبالغ المتبقية مما أوقعه في عجز مالي كبير)، للتخلص نهائيا من أفة النفايات، ووضعها في "المنشط الحراري" وصهرها، الذي "بنقل الحرارة إلى كل أرجاء المفاعل حيث النفايات، مع ضرورة المحافظة على كمية ثابتة من الضغط والحرارة.وما إن ينتهي الوقت المحدد حتى نحصل من داخل المفاعل على فحم «نظيف «Carbon»غير ملوث للبيئة كالفحم المنتشر في الأسواق «Coal» وفقاً لتحاليل المختبرات.
ويلفت ريما إبن بلدة شبعا (جنوب لبنان) أنه: «ليس هناك ضرورة لفرز النفايات داخل المفاعل، إذ يتولى المنشط تفكيك العناصر الكيميائية الداخلة في تركيبتها (كربون، هيدروجين، أكسجين)، فتتحول النفايات تحت الضغط والحرارة ماء (هيدروجين وأكسجين)، وفحما (كربون)». فيما بخار الماء الصاعدة من النفايات داخل المفاعل، يتحول فور برودته مياها مقطرة.

تلوث ممتد

حين يشتعل مكب صيدا تتفاعل أزمة التلوث وتسبح نفاياته اكثر في البحر، تصل الى مرفأ مرسيليا وفيما العيون شاخصة على رزمة الحلول التي تقدم لمعالجته كان الدكتور ريما يعرض معالجته "ﻹعتباره يشكل كنزا للبنان ويدر اموالا طائلا عليه" وبحسبه "فكل طنين منه مثلا تعادل طن مازوت حرارياً، والذي يتخطى سعره عتبة الـ800 دولار أحيانا، فبدلاً من أن تستعمل الشركات الكبرى 3 أطنان من المازوت بتكلفة 2400 دولار في إنتاج بضاعتها، يمكن لها أن تستعيض بالفحم بمعدل 6 أطنان بتكلفة 60 دولارا فقط، باعتبار أن تحويل النفايات العضوية فحما يتطلب 10 دولارات عبر الطاقة الكهربائية بدلا من المازوت".

ويأسف ريما الى أنه حتى اليوم لم تتلقف الدولة اللبنانية إختراعه إذ يقول "عرضت إبتكاري على رئيس الجمهورية ولا زالت أنتظر الرد"، مؤكدا أن "اختراعه يتطلب التفاتة من الدولة لسد العجز المالي عبر مشروع من شأنه معالجة جبل النفايات في صيدا، والذي يعتبر ثروة بالنسبة له أو الأدوية منتهية الصلاحية مثلا".
ولكن على من ترمي مزاميرك ففي عز إشتداد الازمة البيئية كان ريما يقدم حلا ذو بعدين بيئي وإقتصادي حيث يمكن الإفادة منه في كل منطقة أو قرية أو بلدية أو مستشفى أو حتى بناية سكنية .. وفي حال تبني الدولة له، سيخفف كثيراً من الأموال الطائلة التي تنفقها على مشاريع إعادة التدوير التي تستخدم فيها مادة المازوت.
لا تتوقف الامور عند النفايات فريما يؤكد نجاح مفاعله في إنتاج طاقة من النفايات التي يحتويها الصرف الصحي، حيث إن 5% من الصرف الصحي هو «وحل» بالإمكان تحويله إلى فحم وهذا نادرا ما نجده في دول أخرى.

ويكشف عن نجاحه أيضا ومن خلال وفي خطوة إيجابية يوشك ريما على الانتهاء من تصنيع آلة كفيلة بتحويل 3 أطنان من النفايات كل ربع ساعة، والبدء باستعمالها في بلدة عين إبل الجنوبية، وكذلك باشر المفاوضات مع عدة شركات في كندا والتي تبدو أنها تعرف قيمة هذا الاختراع أكثر، «وقد يكون هذا أفضل من أن أمضي بقية عمري في انتظار أن يلتفت إلي أحد من المسؤولين أو الموظفين المعنيين في وطني» وفق تعبيره، فهل ستتلقف الدولة اللبنانية الغارقة في بحر من تعويماتها السياسية الغير مجدية إبتكار ريما أم ستتعامل معه على أنه فعل ماضي ضميره مستتر في عمق الأزمة؟
 

السابق
حسن الزين: الفكر السياسي الديموقراطي له جذور في حضارة العرب والمسلمين
التالي
الحريري التقت عباس: سلامة القضية الفلسطينية تجسد دعماً للبنان واستقراره