2 > 1 مرسي بعد حسني

لم تتمكن مصر من استرداد عافيتها بعد زوال حسني مبارك لحد الآن. والاسوأ أن الاخوان المسلمين لم ينتظروا قليلا، بل عمقوا جراحاتهم وزادوا الناس بصيرة فيهم حينما قبضوا على زمام الرئاسة في سنتها الأولى!
لا ألوم المصريين إن خرجوا، بل لا يُلامون إن صُدموا ونزلوا الشوارع كما هو مخطط بالأمس (المقالة كُتبت السبت) كون النظام السابق لم يدع لهم الصبر بل الجمر والفقر بعد أربعين سنة من العذاب والتحمل!
يبدو أن مُرسي ومن ورائه الاخوان ارتكبوا خطأ استراتيجيا حينما قبلوا استلام الحُكم بعد الثورة مباشرة. الدولة حينها ما زالت تعاني من أمور عويصة يصعب حلها في العام الاول. الدولة تُعاني من فقر شديد، تعاني من فساد حتى النخاع، تعاني من انقسام اجتماعي حاد، وهو انقسام يتحمله الوضع الاقليمي بصورة عامة. وأخيرا تُعاني الدولة بعد الثورة من عدم ثقة الناس وخوفهم وارتيابهم من الاخوان تحديدا.
هذه الامور مجتمعة تُقهر أي خطة وأي عمل جباّر حتى ولو كان خارقاً للعادة. فما بالك إذا إن اجتمعت كُلها على رأس رئاسة إخوانية، على رأس كيان هو بالأصل مصداق للمثل العراقي «مكروهة وجابت بنت»؟!
لكن حتى لو تركنا خلفنا خوف الناس ووضعنا جانباً تشككهم من عمل الاخوان السري وتحت الارض، هل حقاً عمِل مرسي ما يُطمئن المصريين ويُمنّيهم بالفرج؟ للأمانة لم يلاحظ الناس ما يُقنعهم:
فهو وبدلا من احتضان الثورة والثوار وشبابها والتأسيس عليها وعليهم للنهوض بالدولة بسواعد متكاتفة هدفت سابقاً لإسقاط نظام فاسد وبناء لاحقاً مقام صامد، بَهْدل الدنيا ومدح الشُرطة التي قتلت وضربت ونكّلت بالمصريين وهزأتهم لثلاثة عقود وقال بحقها «الشرطة في قلب الثورة»! وبدلاً عن انتقاد الجيش الذي بحكمه وفي الفترة الانتقالية سقط عشرات المصريين بين قتلى وجرحى، بَهْدل مُرسي الدنيا ومدح هذه المؤسسة وقال «الجيش حمى الثورة»!
يُمكن المصرين أن يغفروا له، فالشعب المصري طيب بلا أدنى شك. أتذكر كم كانت ردة فعل المصريون مختلفة تماما وعاطفية حينما رأوا حُسني مبارك في الخطبة الثانية بعد المظاهرات وهو يتحدث إليهم بلغة مصرية حقيقية، لغة وصلت لقلوبهم وتراقصت على أوتار عواطفهم حتى انتاب الكثيرون تأنيب الضمير ونسوا كل سنين الظلم والاستبداد والقهر والإهانة.
نعم يمكن للمصريين أن يغفروا لمُرسي كما كادوا ليفعلوا لحسني مع كل جرائمه، لو عالج على الاقل رئيسهم الجديد غول الفقر وسد جوعهم في السنة الاولى. لكن الحقيقة أن الفقر زاد والبطالة ظلت على وتيرتها، والجريمة لم تتوقف. بل زادهم مُرسي خوفا ورُعبا عندما نَحَت خطاباته وممارساته صوب المؤامرات، وادار ظهره بسرعة لدعاوى الحكومة الوطنية، وعلى حين غفلة اصدر مراسيم غريبة جعلته هو ونظامه فوق المساءلة وسلطة القضاء!
هذه المخاوف تبدو مشروعة بغض النظر عن حقيقة نظافة الرئيس وحزبه، فالدولة سَنة أولى روضة ويتصرف هو كأنه يحكم نظاماً عجوزاً تحكي التجاعيد في وجهه عن عقود الديموقراطية!   

السابق
المزاج السني يغادر مشروع الدولة ويتجه نحو التشدد
التالي
اختفاء الاسير يتحول الى لغز والجلسه التشريعيه في مهب “التطيير”