تسليح المعارضة هل هو نهاية المطاف

كان من مقررات اجتماع دول اصدقاء الشعب السوري الاخير في الدوحة تبني مجموعة من الدول فكرة تسليح المعارضة السورية، ورغم ان القرار لا يلزم جميع من حضروا الاجتماع، الا ان ما صدر عن دول رئيسية شاركت في الاجتماع، يوحي بان قرار التسليح هو قرار جدي من جانب بعض الدول، وهذا يمثل نقطة تحول في مواقف تلك الدول، وبخاصة تلك الدول التي اتسمت مواقفها في دعم العمل المسلح في سوريا بعدم الجدية، واحياناً بعدم الاستقرار، حيث كانت مواقفها تتبدل بين يوم وآخر.
غير انه وقبل المضي الى الابعد في موضوع تسليح المعارضة، لا بد من التوقف عند امرين هما ابرز معالم البيئة السياسية التي رافقت انعقاد الاجتماع، اولهما غياب الائتلاف الوطني السوري عن الاجتماع، وهو ممثل الشعب السوري حسب اعتراف الحاضرين في الدوحة، والسبب في غيابه عدم دعوته للمشاركة رغم ان الاساس في تكوينه والاعتراف الدولي به هو دوره المأمول في معالجة الوضع السوري سواء كانت المعالجة سياسية أو عسكرية. والامر الثاني ان هيئة اركان الجيش الحر ذات قوة تمثيلية وفاعلية محدودة، ورغم اهمية مكانتها من حيث الاعتراف الاقليمي والدولي بها، فانها ليست الاكثر حضوراً وفاعلية في التشكيلات العسكرية للثورة، التي تتوزع على جماعات تنتمي للجيش الحر ابرزها هيئة الاركان، واخرى ترتبط به بصلات وروابط ضعيفة كما هو حال بعض الألوية والكتائب، والثالثة قوى تندرج في موقع الاختلاف مع الجيش الحر، وقد تكون في موقع التناقض معه مثل جبهة النصرة والقوى المحيطة بها.
ويمثل غياب الائتلاف الوطني عن اجتماع الدوحة وقراراته، ومحدودية مكانة ودور هيئة اركان الجيش الحر عاملي ضعف اساسيين في اجتماع الدوحة، والواقع ان ثمة عوامل اخرى لا تقل اهمية، تؤكد ضعف الاجتماع ونتائجه، او عدم جديته في التعاطي مع الوضع السوري وتطوراته، حسب اعتقاد اوساط سورية واسعة، والابرز في هذه العوامل ثلاثة:
العامل الاول، ان قرار تسليح المعارضة السورية، لم يكن قراراً عاماً في اجماع المشاركين في المؤتمر، وهذه نقطة ضعف اساسية، تعكس الاختلاف في مواقف الدول من تطورات الوضع السوري واحتمالاته. بل ان الاختلاف حول تسليح المعارضة السورية، كان حاضراً في مواقف دول بدا في اوقات سابقة، وكأنها متفقة على الموضوع، لكنها اكدت الاختلاف حوله في الاجتماع الاخير على نحو ما كان الموقف البريطاني في رفض المضي نحو التسليح، وثمة تفاصيل في موضوع التسليح، من بينها، ان هناك اختلافا بين الدول الموافقة على المضي في تسليح المعارضة حول نوعية وكمية السلاح الذي يمكن ان تقدمه، وثمة توافق عام على ان تكون الاسلحة "خفيفة" وذات طابع "دفاعي"، كما هناك توافق على ان الاسلحة لن تقدم لكل تشكيلات المعارضة المسلحة، بل لجهات منها وخاصة هيئة اركان الجيش الحر، حرصا على عدم وصول الاسلحة الى جماعات اسلامية متشددة.
والعامل الثاني، ان تسليح المعارضة ليس هدفه اسقاط النظام، انما الهدف منه الضغط على النظام لجلبه الى طاولة المفاوضات، ودفعه للقبول بالتوصل الى حل سياسي للوضع القائم في سوريا. ورغم ما يظهر من قبول للفكرة المطروحة من حيث الشكل، فانها في الجوهر تبدو فكرة غير مقبولة وتناقض المطلوب. وقد قصرت دول اصدقاء الشعب السوري طوال الفترة الماضية في القيام بممارسة ضغوط سياسية واقتصادية جدية على النظام، وتحولت معظم جهود تلك الدول الى ضغوط على الشعب السوري أكثر مما اصابت النظام ورموزه، وبالتالي فاذا كان هدف عملية التسليح ممارسة ضغط على النظام، فان من الافضل قبل التسلح، وتوسيع دوائر الصراع المسلح الى مدى ابعد مما هو عليه الآن ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية جدية على النظام تجبره على الذهاب الى تسوية سياسية او فتح الابواب بهذا الاتجاه، وفي المحصلة العامة، فان الذهاب الى تسليح المعارضة، لن يؤدي الى حل سياسي، انما سوف يعزز فرص الحل العسكري.
اما العامل الثالث، فهو يتصل بالشكوك التي تحيط بالموقف الاجمالي لدول اصدقاء الشعب السوري، وهو موقف اتسم بعدم الجدية وافتقاده للمصداقية في التعامل مع تطورات الوضع السوري. لقد آمل السوريون بوجود داعمين جدد للثورة في وجه نظام قاتل، امتدت شروره ابعد من الجغرافية السورية طوال أكثر من خمسين عاماً، وتضررت بسياساته دول وشعوب في انحاء مختلفة من العالم قبل ان يشعل الحريق السوري الراهن، لكن السوريين وجدوا القليل القليل من دعم اقليمي ودولي، وحتى هذا القليل من الدعم كان بائساً ومرتبكاً وبعضه كان دون جدوى، فهو لم يساعد في تأمين الاحتياجات الانسانية والحياتية لأكثر من ثلاثة ملايين مشرد سوري في طول البلاد وعرضها، ولا ساعد اللاجئين الذي كاد عددهم يقترب من اربعة ملايين في دول الجوار وقريبا منها، والامر في كل الاحوال لم يصل حد تقدم تلك الدول نحو حماية ارواح وممتلكات السوريين باعتباره واجباً انسانياً واخلاقياً، عجز العالم عن القيام به بما في ذلك دول اصدقاء الشعب السوري، وصولاً الى الفشل في معاقبة النظام القاتل والمدمر طبقاً لمحتويات القانون الدولي في نصوصه وفي سابقاته السياسية، وفي كل الاحوال عملت تلك الدول على ايجاد وطرح مبررات اغلبها يفتقد الجدية والمصداقية لتبرير سياساتها وممارساتها المتناقضة، وتفسير تراجعاتها عن مواقف محددة كانت قد التزمت بها مسبقاً.
ان قضية تسليح المعارضة السورية في صراعها مع النظام، باتت بحاجة الى اثبات جدي ومسؤول، يتجاوز الوعود، التي لامعنى لها سوى منح النظام فرص الذهاب الى الابعد في قتل السوريين وتشريدهم، وتدمير امكانياتهم وقدرات بلدهم، بينما يشن النظام هجمات مرتدة واسعة في مختلف انحاء البلاد لاستعادة سيطرته عليها مستعيناً بقدرات وامكانيات قوى دولية واقليمية، تشمل دعماً روسياً سياسياً وعسكرياً مباشراً، وتدخلاً عسكرياً مباشراً تحت بصر وسمع العالم كله من جانب ايران وحزب الله اللبناني وبمشاركة ميليشيات تم استيرادها من العراق واليمن ومرتزقة من انحاء مختلفة، لقد بات من المطلوب رؤية افعال تتجاوز الاقوال في موضوع دعم الشعب السوري في مواجهة نظام القتل والدمار، والا فلا معنى الاقوال والتأكيدات حول تسليح المعارضة السورية مهما كان مصدرها والقائلون بها.

  

السابق
هل تغاضى الغرب عن سقوط القصير وكفى؟
التالي
ميشال سليمان آخر رئيس لمَ لا