استكمال المهمة في صيدا

كانت محنة مريرة تلك التي شهدتها صيدا. عشرات الضحايا في موقعة ما كان لها أن تحصل أصلاً. بدت كأنها فخ نُصب لطرفيها: الجيش والآخرون. بل بدت تخريباً متعمداً لصيدا كما لو أنها تعادل حمص، بعد تخريب طرابلس كما لو أنها تعادل حلب. وفي البحث عن المستفيد يظهر بوضوح أنه "حزب الله"، لا الدولة ولا الجيش ولا أهل صيدا ولا أولئك الذين انضووا في ما سمي "ظاهرة" الشيخ أحمد الأسير. قد تكون هذه نهاية لظاهرته التي أخطأت في أساليبها رغم انها استقطبت بخطابها وأفكارها. والأكيد أنها ارتكبت خطيئتين: أولاً عدم إدراكها مغزى اعتدال السنة المؤتمنين على الدولة بموجب الميثاق الوطني وروحه، وثانياً إطلاقها النار على الجيش.

مرفوضة أو مقبولة، محقة أو مدانة، لم تأت "ظاهرة الأسير" من لا شيء، أو من فراغ، كما أفاد كثيرون من المتعاطفين معها ومن غير المكترثين بها أو ممن لا يعتبرونها ممثلة للسنة. لكنها عبّرت بوضوح عن وجود مشكلة في البلد كان على الدولة والحكومة والجيش أن يتصدوا لها، وأن لا ينتظروا الأسير أو سواه لإراقة الدماء بحثاً عن حل لها. طوال الشهور الماضية كان "حزب الله" يستفيد من هذه الظاهرة، يخترقها ويتلاعب بها ويتهم الطائفة السنية بأنها تتبناها وتراهن عليها. وكان الحزب يعرف ان ما يقوله غير صحيح. ويفترض أن يكون تعلم الآن، بعدما رفض التعلم من تجربة مخيم نهر البارد، ما هو الفارق بينه وبين من يتجاوز الاعتبارات الطائفية لتعزيز موقف الدولة والجيش.

الأسوأ من هذه المحنة في صيدا أن يعتبر الجيش والدولة أن نهاية المعركة مع "الأسيريين" هي نهاية المطاف، لأن أهل صيدا عوّلوا ويعوّلون عليهما للقضاء على وباء الشرّ الذي تغلغل في أوصال مدينتهم. ولعل الدروس أن الوئام الاجتماعي لا يستقيم بمحاباة فئة واعتبارها فوق الدولة والقانون. فالصيداويون، واللبنانيون عموماً، لم يطلبوا من الدولة والجيش إلا ما هو في نطاق مسؤولياتهما، وفي إطار المصلحة الوطنية. لا شك في أن التغطية السياسية الكاملة والشاملة التي توافرت للجيش كي ينهي الحال التي شكلها "الأسيريون" تحول دون الاختباء وراء ذرائع "سياسة الوجهين" لاستكمال ما يجب عمله في صيدا، ليستعيد أهلها الأمان والشعور بالكرامة عندما يرون أن كل المظاهر المسلحة قد أُزيلت من دون تمييز أو استثناء.

ما حصل في صيدا وما يحصل في طرابلس ومعظم مناطق السنّة له هدف واحد: حماية مشاركة "حزب الله" في القتال داخل سوريا. الذهاب الى التأزيم وإشعال الفتن المتنقلة حرفٌ للأنظار عن معضلة "السلاح غير الشرعي" وقد غدا ملطخاً بدماء اللبنانيين والسوريين، وبالتالي استبعاداً لطرح مصير هذا السلاح، وإمعاناً في ترهيب ثلاثية الدولة والشعب والجيش. وإذ يريد اللبنانيون المراهنة على الجيش، فما عليه سوى أن يساعدهم.

السابق
بين حرقة القلوب وحرق الأعصاب
التالي
رونالدو يعايد ميسي