الشرق: الجيش اسقط المربع الامني فأين الاسير وفضل شاكر؟

ظهّرت الحوادث الدامية التي سجلتها الساعات الاربع والعشرين الماضية في عاصمة الجنوب مدى ارتفاع منسوب التوتر المذهبي الذي تحول سببا كافيا لتدهور عسكري دراماتيكي في اية لحظة يغرق المنطقة في اتون حرب ضروس، تمكن الجيش اللبناني بدماء شهدائه من اخمادها بفعل تصديه لمحاولات ضرب الاستقرار مسطرا بسالة وطنية قل نظيرها في ضوء عدم توافر الغطاء السياسي وتداخل العوامل الامنية بالسياسية والمعطيات الطائفية بالايحاءات الاقليمية لبعض القوى في الداخل.

وفي موازاة الاستنفار العسكري والمواجهات الدامية بين الجيش والعناصر المسلحة التابعة لمجمع الشيخ أحمد الاسير في عبرا التي حصدت مزيدا من القتلى والجرحى في صفوف الطرفين، سجل استنفاران سياسي وطائفي على اعلى المستويات، تمثل الاول في الاجتماع الوزاري الامني الذي انعقد في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال سليمان وتقرر في ضوئه استمرار الاجراءات العسكرية في صيدا حتى الانتهاء من منع المظاهر المسلحة وازالة المربع الامني وتوقيف المعتدين والمحرضين على الجيش واجلاء المدنيين من منطقة العمليات العسكرية للحفاظ على سلامتهم وحسن سير العملية. وتوازيا اعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الحداد العام اليوم على ارواح الشهداء العسكريين والتوقف عن العمل بين الثانية عشرة ظهرا والاولى بعد الظهر.

اما الاستنفار الطائفي فتجلى في سلسلة الاجتماعات والدعوات الموجهة من رؤساء الطوائف، لا سيما السنية، الى عدم الانجرار خلف المواقف الفتنوية بعد دعوة الاسير عناصر الجيش السنة الى الانشقاق عنه.

في المقابل، نشطت حركة الاتصالات السياسية بين المسؤولين الامنيين وفاعليات صيدا السياسية لاعادة الاستقرار الى المدينة وأصدرت قيادة الجيش سلسلة بيانات اكدت فيها استمرار عملياتها العسكرية للقضاء على المظاهر المسلحة وتوقيف المعتدين واعادة فرض الامن، كما اكدت حرصها التام على دور العبادة التي يعمد المسلحون الى القنص منها. ودعت "المعتدين وهم معروفون فردا فردا الى القاء السلاح وتسليم انفسهم فورا الى قوى الجيش حرصا على عدم اراقة المزيد من الدماء".

والوضع الامني المتفجر في صيدا انسحب استنفارا امنيا على عدد من المناطق لا سيما في طرابلس، الخاصرة الرخوة امنيا، حيث شهدت المنطقة ظهورا مسلحا تضامنا مع الاسير وعمد البعض الى احراق مراكز للجيش وما لبث التوتر ان امتد الى مناطق اخرى في طريق الجديدة حيث عمد بعض المواطنين الى اقفال عدد من الطرق عملت القوى الامنية على فتحها. وبعد الظهر، تمكن الجيش من السيطرة على منطقة الاشتباكات وصولا الى المربع الامني في عبرا.

وبعيدا من الاجواء الامنية المتفجرة، تسارعت وتيرة الاتصالات على خط تشكيل الحكومة مع ازدياد الحاجة لحكومة اصيلة وفاعلة تضبط الوضع وتتخذ القرارات، فسجلت زيارة للرئيس المكلف تمام سلام الى عين التينة تناولت الوضع الحكومي والتطورات في البلاد.

ونقلت وكالة الأنباء المركزية عن مصادر مطلعة "ان سلام قدم التهنئة لبري مع بداية الولاية الممددة والشكر على مواقفه لجهة تقديم المساعدة لتشكيل الحكومة. ولفتت الى ان الرئيس المكلف ابلغ رئيس المجلس تمسكه بثوابت التشكيل وفي مقدمها رفض اعطاء الثلث المعطل لأي فريق واعتماد مبدأ المداورة في الحقائب والتزام اعلان بعبدا وسياسة الناي بالنفس، متحدثة عن ان الرئيس المكلف لن ينتظر الى ما لا نهاية لتشكيل حكومته بعدما اعطى مهلة اسبوع اضافية بناء على تمن من النائب وليد جنبلاط افساحا في المجال امام مزيد من الاتصالات مع القوى المعنية، وقد اوفد جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور الى المملكة العربية السعودية، من اجل محاولة اقناع فريق 14 آذار بالعدول عن فكرة عدم المشاركة في حكومة يشارك فيها حزب الله".

وفي انتظار ما قد تحمله زيارة ابو فاعور من نتائج فان اوساطا قريبة من المصيطبة قالت لـ "المركزية" ان سلام وفي حال اخفقت جهود جنبلاط سينتقل الى مربع جديد في مسار التشكيل يرتكز الى قرار الرأي العام والشعب المؤيد لحكومة الحياديين والتكنوقراط. واعتبرت ان الرئيس سلام حظي بتأييد 124 نائبا لم يضع اي منهم شروطه عليه للتكليف وهو سيستنفد كل امكاناته وطاقاته لتأليف حكومة ترضي تطلعاتهم، الا انه وفي حال وصل الى الطريق المسدود، في ضوء تمترس كل طرف بمواقفه المناقضة لثوابته الموضوعة للتشكيل، فانه سيشكل حكومته الحيادية من 14 وزيرا من بين المشهود لكفاءاتهم ونجاحاتهم كل في مضمار اختصاصه وهو يملك في جعبته اكثر من 200 اسم ليختار من بينهم.

وتحدثت المصادر عن ان الجهود التي قادها جنبلاط في الفترة الاخيرة مع مكونات 8 آذار وتحديدا حزب الله وحركة امل لم تفض الى اي نتيجة في ضوء التمسك بالشروط المعلنة وفي مقدمها تشكيل حكومة سياسية تراعي احجام واوزان الكتل وتدرج ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة في بيانها الوزاري.

من جهتها، رأت اوساط في قوى 8 آذار ان "حركة الرئيس المكلف ايجابية، مشددة على سقف قوى 8 آذار الواضح الذي كرره النائب محمد رعد، فلا حكومة من دون مشاركة حزب الله ولا حكومة من دون ثلث مشارك ولا بحث في صيغة الثلاث ثمانات".

وعن زيارة الوزير وائل ابو فاعور والنائب نعمة طعمة والنائب السابق غطاس خوري الى السعودية، اعتبرت انها "تصب في اطار التأليف حيث سيبلغ ابوفاعور موقفنا الآنف الذكر للمعنيين، فالكرة اصبحت في ملعب السعودية والرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار، واي تجاوز لهذه المطالب هو تعطيل للمشاركة للذهاب الى حكومة امر واقع لا ننصح بقيامها حرصاً على المصلحة الوطنية".

من جهة ثانية، توقفت مصادر متابعة عند اللقاء العائلي الذي جمع رئيس الجمهورية برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في قصر بعبدا. وقالت لـ "المركزية" انه تناول مختلف المواضيع المطروحة على بساط البحث، السياسية والامنية لا سيما تطورات صيدا وضرورة دعم الجيش لبسط الامن على كامل الاراضي اللبنانية اضافة الى الملف الحكومي، موضحة ان جعجع اكد ضرورة تشكيل حكومة مختلفة عن سابقاتها، اي من دون فريقي 8 و14 آذار، بمعنى حكومة اللبنانيين المؤمنين بالدولة. كما تم التوافق على منع الفراغ في المؤسسات الامنية وضرورة ان يحتل ملف قانون الانتخاب الاولوية في قائمة مهام المجلس النيابي بعد افتتاح الدورة الجديدة.

على خط آخر، تلقفت الأسواق المالية وسوق القطع بكثير من الهدوء تداعيات أحداث صيدا والمظاهر المسلحة في طرابلس، ولم يُسجّل أي طلب غير اعتيادي على الدولار الأميركي، وبقيت الليرة في منأى عن أي ضغط. في حين سادت الأسواق حال من الترقب لما ستؤول إليه الأحداث الامنية المتفاقمة.
  

السابق
اللواء: الملك عبد الله لحفظ أمن لبنان
التالي
الجمهورية: الحال الأسيرية تنتهي عسكرياً والتحدي بإنهائها سياسيا