نداء في خدمة حزب الله

وجّهت مجموعة من الشخصيات السياسية والإعلامية وقادة الرأي نداءً "من أجل إنقاذ لبنان وإعادة تأسيس الدولة"، ودعت للمشاركة في "المؤتمر الوطني للإنقاذ" الذي "سيعرض مشروع خطة عملية لتحقيق الأهداف" المحددة في هذا النداء، وبالتالي بمعزل عن بعض الشخصيات الموقعة التي نكنّ لها كل احترام ومودة، لا بد من التوقف أمام الآتي:

أولاً، تذكر صياغة النص وروحيته بأدبيات اليسار في ستينات وسبعينات القرن الماضي بأن الطائفية هي أمّ المشاكل في لبنان، وأن المدخل للخلاص الوطني يكون بالتخلص منها، حيث أنّ لبنان سيبقى دولة فاشلة طالما أنّ النظام الطائفي قائم.

وقد أعاد الموقعون استحضار لغة قديمة كنا اعتقدنا أن أصحابها اتعظوا من تجربة العقود الأربعة التي إن دلّت على شيء فعلى أنّ مكمن الداء في النظام ليس بنيته الطائفية، التي تتطلب دون شك تطويرا وتغييرا وتحديثا، إنما خطف القرار السياسي للدولة تحت عنوان فلسطيني حينا وسوري أحيانا وإيراني دائماً.

ثانياً، هناك محاولة مكشوفة لصرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية في لبنان عبر تضخيم المسألة الطائفية من قبيل الكلام أنّ "أطراف النظام السياسي الطائفي يفرضون على اللبنانيين جدول أعمال خلافاتهم ومراهناتهم"، فيما جدول الأعمال المطروح أقلّه بين عامي 1990 و2005 كان الوصاية السورية على لبنان، ومنذ الخروج السوري إلى اليوم سلاح "حزب الله".

ثالثاً، لم يكن الوجه الطائفي للصراع في لبنان في أي لحظة هو الوجه الرئيسي، لأن حقيقة الصراع كانت دوما حول خيارات لبنان الكبرى، وتحديدا دوره في الصراع العربي-الإسرائيلي وسياسته الخارجية، وطبع هذا الصراع بالطابع الطائفي مردّه إلى تناقض التوجّهات الوطنية للجماعات لا الطائفية، والدليل أن الإصلاحات التي تمّت في اتفاق "الطائف" أبقت الدولة معلّقة ومغيّبة، وبالتالي الهدف من وراء تغييب المشكلة الرئيسية إلهاء اللبنانيين بنقاشات ثانوية وجانبية.

رابعاً، يشكّل النداء تتمة موضوعية لوظيفة المشروع الأرثوذكسي ولو بصيغة مختلفة، خصوصاً أنّ العامل الطائفي هو الجامع بينهما. فإذا كانت وظيفة الأرثوذكسي تحويل عنوان صحة التمثيل إلى العنوان الرئيسي بدلاً أو في موازاة السلاح، فإنّ وظيفة النداء تصوير أن لا مشكلة تعلو فوق المشكلة الطائفية. ومن الواضح أنّ هناك من رأى أنّ طي الصفحة الانتخابية-الأرثوذكسية يتطلب فتح صفحة جديدة لإبقاء التركيز على ملفات فرعية.

خامساً، لو افترضنا أن لبنان تحول اعتبارا من الغد إلى دولة علمانية، فهل هذه الدولة قابلة للحياة في ظل وجود فئة "علمانية" تريد الاحتفاظ بترسانتها العسكرية لمواجهة إسرائيل حيناً، وإرسال قوات النخبة لديها في مهمات تبدأ بالبوسنة والهرسك ولا تنتهي في سوريا؟

سادساً، هل يعقل أن يغيِّب النداء العنوان الرئيسي للصراع أقلّه منذ العام 2005 بين 8 و14 آذار حول سلاح "حزب الله"؟ وقد تكون من حسنات هذا الانقسام أنه عابر للطوائف، وأنه يشخّص الأزمة على حقيقتها بأنها بين مشروعين ومحورين ومنطقين وثقافتين.

ويبقى أنّ حلّ المعضلة اللبنانية لا يبدأ بحل الطائفية على طريقة النداء ولا بتكريسها على طريقة الارثوذكسي، إنما يبدأ فقط بالاتفاق على مساحة مشتركة اسمها الدولة اللبنانية التي وحدها تمسك بقرار الحرب والسلم بعيدا عن الاستثناءات الفارغة والنظريات الملتوية، ومع استعادة الدولة لهيبتها ودورها يتم الانتقال من الأولوية السيادية في الطائف إلى الأولوية الإصلاحية التي تتضمّن عملية الانتقال إلى الدولة المدنية المرجوة.  

السابق
واشنطن لن تسمح بهزيمة المعارضة السورية
التالي
من الانتصار على الشعب السوري.. الى الانتصار على سوريا