تركيا على خط زلزال برنارد لويس

جاءت الحوادث التركية الأخيرة لتؤكّد مرّة جديدة أن التحالف مع الولايات المتحدة الأميركية أو حتى التبعية الكاملة لها لا تُثنيها عن استكمال مشاريعها الجيوبوليتيكة كما أنّ هذه التحالفات لن تُعدّل في مخططاتها الهادفة إلى تحقيق استراتيجيتها المرسومة. وأثبتت التجربة أيضاً أن تغيير الإدارة والتكتيكات وقواعد الاشتباك المسماة بقواعد اللعبة لا تتعارض البتة مع نهجها المتّبع للوصول إلى هذه الأهداف. وكشفت المراحل الماضية أن الانتقال من الحرب العسكرية الجامدة إلى الحرب الناعمة واستخدام الفوضى الغامضة والتهديد بالقوة من دون استخدامها كما سياسة العصا والجزرة كلّها أدوات عمل مرحليّة تخدم السياق الاستراتيجي العام.
فمنذ أن وضع «برنارد لويس» ترسيمة الشرق الأوسط الجديد واعتُمدت كأساس للسياسة الخارجية الأميركية من قبل الكونغرس تعدّدت المناورات العسكرية والسياسية لتحقيق مضمونها واقعياً وما الحراك بل الانقلاب الذي سمّي «ربيعاً عربياً» إلا نموذجاً عملانياً إذ أخذت هذه المناورات من حيث حركتها واتساع مساحتها موقعها المطلوب. لقد نجحت في أكثر الدول والأماكن تحالفاً وتبعية للولايات المتحدة بينما تعثّرت وربما سقطت في الدول التي لم تكن على علاقة سويّة معها.
تركيا واحدة من الدول التي طاولها مشروع برنارد لويس الذي يهدف في ما يخصّ تركيا إلى اقتطاع جزء منها لصالح «الدولة الكردية» التي ستأخذ رقعة كبيرة منها تمتدّ حتى حدود أرمينيا وجورجيا شمالاً وبالطبع يهدف إلى قطع الداخل التركي الطوراني عن جذوره في تركمانستان.
كيف وقعت تركيا في الفخّ الأميركي المنصوب لها؟
عند استلام حزب العدالة والتنمية الحكم شجّعت الولايات المتحدة تركيا عبر «أردوغان» و»داوود أوغلو» الحلم الإيديولوجي باستعادة الخلافة العثمانية. وهو هدف استراتيجي أكبر بكثير من قدرة تركيا العسكرية والاقتصادية إضافة إلى علم الولايات المتحدة المسبق بأن هذا المشروع سيصطدم بالواقع القومي والوطني لدول المنطقة والجوار كما بالواقع الجيوستراتيجي لكياناتها. ووظّفت هذا التشجيع باستخدام تركيا في مشروع الفوضى الخلاقة عبر تقديمها كنموذج للإسلام المعتدل.
تلقّف أردوغان «الطُعم الأميركي» على طبق الأحلام الامبراطورية ودفع باحتياطه الاستراتيجي السياسي المكدّس عبر علاقته بسورية فانقلب عليها واعتبرها الخطوة الأولى على طريق هذا الحلم. غير أنّ حساب الحقل لم يكُن مطابقاً لحساب البيدر. سقط أردوغان في الفخ والصيادون كُثر. سقط أردوغان أمام صلابة العقيدة القومية للشعب والجيش السوري. سقط حلم أردوغان على معبر «باب السلامة» وبوابات كيليكيا.
لم يتعلّم أردوغان من التاريخ التركي نفسه. ففي الحرب العالمية الأولى خسرت تركيا وكانت أهم الطلقات الموجّهة إلى صدرها من الثورة العربية الكبرى. وقد دفعت هذه الخسارة بـ»الباشاوات» للارتداد إلى الداخل والانقلاب على الخلافة وحتى على القيم والأعراف الإسلامية.
لم يدرك أردوغان ومن خلفه أوغلو أنّ الذي يحمل المشروع عادة هو المجتمع بأكمله وليس أفراداً فيه. خصوصاً المجتمع التركي المشكّل من تناقضات مذهبية وإثنية. إضافة إلى الجغرافية المنتزعة من الجوار كلواء الاسكندرون وكيليكيا وماردين.
إنّ الحراك التركي الآن أمام مفترق خطير أحلاها مرّ بالنسبة إلى أردوغان.
فالأمور تسير بشكل طبيعي بعد تكاتف قوى المعارضة الداخلية كافة عليه قوى سياسية علمانية وإسلامية ونقابات عمالية واقتصادية ومثقفين وحركات كردية تنزع الى الاستقلال وحركات قومية في المناطق المسلوخة من سورية. كل هذا الحراك سيؤدّي إما إلى تنحي أردوغان وبالتالي استلام العلمانيين السلطة كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى. أو ان يتمسّك أردوغان بالسلطة وتتحوّل المعارضة الى العصيان المدني والعسكري وتدخل تركيا في الفوضى الغامضة بحيث يصبح مستقبلها على كفّ عفريت. أو بالأحرى على خارطة الزلازل التي رسمها برنارد لويس.

السابق
اتهامات لـm.b.c بالتلاعب بالاصوات
التالي
الدب الروسي يُدير الحرب السورية