وما زال عمال مصر يناضلون

أمل الثورة
قبل شهرين كنت أنتظر خارج بوابات مديرية أمن الإسكندرية، في ليلة باردة أنظر فيها لأهالي عمال شركة بورتلاند للأسمدة وهم يتجمعون باكين من أجل ذويهم الذين قبض عليهم بعد تلفيق قضايا لهم. لم يمهلني الالتزام بعملي فرصة كبيرة كي أتواجد معهم، لكني وجدت أصدقائي المعتادين في السعي وراء المعتقلين واقفين هناك. وفي تلك اللحظة لمحته، واحد من الرفاق لم أتحدث معه كثيراً من قبل إلا في مناسبات محددة كالتظاهرات أو الاعتصامات. وجدته يهرب من الصقيع إلى "بالطو" ضخم يلتف به على الرصيف بجانب العمال. هو نفسه الرفيق الذي قبض عليه بعد أيام من هذا الحدث، وظل مضرباً عن الطعام لأيام، لا من أجل قضيته بل من أجل التضامن مع عمال بورتلاند من وراء قضبانه. هو عصام مهدي، أحد الأبطال الذين لا يعرفهم أحد.
هذا ما يعرف بالثورة الشعبية: حينما يتضامن أي شاب يطمح بوطن أفضل مع العامل للخروج بالوطن للنور، والإثنان خلف القضبان أو خارجها، يعملان بجد وإخلاص حتى الموت من أجل ما يؤمنون به. هذا ما يبشر بالأمل والانتصار: مشاهد كهذه تتكرر في ساحات المعارك وعلى بوابات السجون والمعتقلات.
سياسة النظام
كنت أتساءل منذ عدة أيام، عندما قامت الحكومة الاخوانية بمساعدة الجيش، بقمع عمال سكك حديد مصر، ألم يتبع محمد مرسي نفس أساليب النظام القديم في قمع العمال؟ وهل أفاد هذا حكومته بشيء؟ ربما لا يعرف أن كلّ رد فعل عنيف وظالم من جهته ومن جهته حكومته الفاسدة هو مجرد وقود للحركة العمالية المصرية. فنحن أمام 3816 اعتصاماً ما بين شركات القطاع العام والخاص، كما رصدها تقرير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وما ذلك إلا صعود كبير نحو الانتفاضة العمالية بحق.
العمال ليسوا فئة ساذجة كما يعتقد البعض، فهم في الحقيقة يعرفون طريقهم أكثر ممن يدافعون عنهم. العمال لم يقاوموا الإدارات الفاسدة فحسب بل أيضاً قاوموا الخصخصة، كما فعل عمال طنطا، وكما انتفض موظفو المحاكم والجامعات أمام القضاة ورؤساء الجامعات.
في وقفة احتجاجية عمالية، تعرّفت ذات مرة على قصة عم محمد، الرجل الشهير الذي قام بجمع نحو 30 ألف صوت لمرسي في الانتخابات، هو نفس الرجل الذي سجن على يد مرسي في قضية عمال إسمنت بورتلاند في سبيل المطالبة بالحق.
هذا هو الوضع العبثي الحقيقي لسياسة النظام الفاسد مع عمال مصر ومطالبهم.
تدمير النقابات
السيد وزير القوى العاملة الاخواني شغله الشاغل داخل الحكومة تدمير النقابات العمالية ـ بهدف تفتيت قواهم وشق الصف النضالي، بطرق عدة منها: عدم إصدار قانون الحريات النقابية حتى الآن، وإرسال خطابات لرؤساء مجالس الإدارة تهدد سلامة النقابة وتشكك في استمراريتها.
يريد النظام إسقاط الحركة العمالية في مصر لأنها سند حقيقي للثورة والثوار في هذه اللحظة المشتتة الحرجة. ولأن الكتلة العمالية منظمة وموحدة المطالب، لذلك دعمها للشارع الثوري أساسي، ولهذا يلعب نظام مرسي نفس الدور الذي كان يسلكه النظام القديم.

السابق
الراعي: للاسراع في تشكيل الحكومة
التالي
هل الأول من أيار.. إسلامي؟