المواجهة بين حزب الله والمعارضة السورية

تسارع وتيرة الأحداث في المنطقة خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، فرض متابعة سياسية استثنائية تُوِّجت بمواقف عدّة وزيارات أمنية وديبلوماسية مرتقبة، قد لا تكشف كل ما يمكن كشفه.

كان لإعلان الأميركيين والأردنيين عن تسريع التدريبات والاستعدادات الميدانية الجارية في أحد المعسكرات الأردنية لتخريج 3000 مقاتل من "الجيش السوري الحر"، وقع خاص، لأنه تزامن مع كشف تركيبة أجزاء مهمة من المجموعات المقاتلة تحت مظلته.

وأكدت أوساط في وزارة الدفاع الأميركية أن الإستشعار بخطورة الأوضاع في سوريا خلال الأيام المقبلة، فرض على الأميركيين والأردنيين تسريع تلك الخطوات، في اعتبار أن الانهيار المحتمل لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وإغراق البلاد في الفوضى، قد لا يتيح للأطراف الوقت الكافي للإستعداد لتلك المرحلة.

وبما أن للتنسيق الأميركي ـ الأردني أبعاداً تتخطّى العلاقات المشتركة بين الطرفين، فمن نافل القول إن تأمين الإستقرار على الحدود الأردنية ـ السورية، من شأنه أن ينعكس ايضاً على الحدود مع اسرائيل، سواء كانت مشتركة مع سوريا أو مع الاردن.

وإحساس النظام الأردني بالخطر فرض عليه مغادرة دائرة المراوحة، بعدما تبلّغ كلاماً أميركياً وإسرائيلياً مطمئناً. غير أن التحسّب لما يمكن أن يحصل معه في ظلّ الاستعدادات الجارية، تقابله حالة فوضى وتشويش في الرؤية على الحدود السورية مع لبنان.

وفي هذا الإطار، يكشف مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية عن زيارة موفدَين أمنيين إثنين الى لبنان أخيراً، بهدف تنسيق الإستعدادات الجارية لمواجهة التطورات الأمنية المرتقبة.

ويلفت الى أن اللهجة غير العادية في البيان الدوري الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية عن مخاطر السفر الى لبنان، فرضتها طبيعة المعلومات التي تكشّفت عن قرار مجموعات المعارضة السورية، سواء كانت من القوى المعتدلة او الراديكالية المتطرفة مثل "جبهة النصرة"، بنقل المواجهة مع "حزب الله" الى لبنان.

ويعتقد هذا المسؤول أن فشل المناشدات، وحتى الوساطات، التي حاولت المعارضة السورية، والقوى المعتدلة فيها خصوصاً، القيام بها، من أجل إقناع حزب الله بالإنكفاء واعتماد سياسة "النأي بالنفس"، مع تعهّدها منع أيّ طرف لبناني مؤيد للثورة، من التدخل في المعارك الدائرة، فرض على المعارضة السورية اتخاذ قرار القتال في لبنان لأنه أفضل وسيلة للدفاع عن مواقع الثورة في سوريا.

وعلى خلفية هذا المشهد، يأتي تحرّك الإدارة الاميركية في لبنان استعداداً للتدهور المرتقب فيه، وقيام هيئات أمنية وعسكرية وديبلوماسية مختصة، بتهيئة الظروف اللوجستية للحالات الطارئة، وهذا ما يفسر الحديث عن استكشاف مرفأ الضبية شمال بيروت أخيراً.

وفي اعتقاد مراقبين أميركيين أن عدم قدرة "حزب الله" على التراجع عن تورّطه في الأزمة السورية مردّه الى أسباب عدّة، ابرزها أن قراره ليس محلياً إضافة إلى اسباب موضوعية اخرى تعود الى طبيعة المجابهة واشكال الانغماس السياسي وحجمه والتي تمتد الى حقبة الوجود السوري في لبنان.

ويؤكد مراقبون أن هذا التطور الدراماتيكي في حال حصوله، ليس متصلاً بتطورات المعركة داخل سوريا، لناحية تغيير التوقعات بالنسبة الى مواعيد سقوط النظام أو عدم سقوطه. إنما يتصل بالأخطار الأمنية التي لا يمكن للولايات المتحدة الاّ أن تكون مستعدّة لها، في ضوء حصول تجارب سيئة في هذا المجال.

وفي اعتقاد هؤلاء أن واشنطن مضطرة لتقديم الدعم والرعاية المباشرة الى قيادة الأركان في "الجيش الحر" بقيادة سهيل ادريس، إذا ارادت الاستفادة من المتغيرات السياسية والموضوعية التي طرأت في الآونة الأخيرة، خصوصاً وأنها القوة الرئيسة ضمن تشكيلة هذا الجيش، وهي تضم نحو 50000 الف مقاتل.

وغالبية القوة التي يشارف تدريبها في الأردن على الإنتهاء خلال هذا الشهر، تتبع هذه القيادة، فضلاً عن أن القوة الرئيسة التي حققت التقدم الميداني في محافظة درعا تنضوي تحت لوائها ايضاً.

وبحسب أوساط أميركية فإن "جبهة التحرير السورية الإسلامية"، وهي فصيل إسلامي غير متعصب وتضم 37000 الف مقاتل، تحلّ في المرتبة الثانية، وتتلقى الدعم السعودي وهي قريبة من توجهات رئيس "الائتلاف الوطني السوري المعارض" أحمد معاذ الخطيب.

وهناك "الجبهة الإسلامية للتحرير"، وهي اكثر تشدداً وتضم سلفيين لكنهم لا يتبعون ولا يؤيدون "جبهة النصرة"، ويتلقون الدعم من متمولين سعوديين وكويتيين وخليجيين عموماً وتضم 13000 الف مقاتل.

وهناك فصيل "أحفاد الرسول" وتموّله قطر ويقدّر عدد عناصره بـ 15000 الف مقاتل. غير أن الفصيل الأكثر خطورة والأخف ضجيجاً إعلامياً على الأقل خوفاً من أن يستهدفه الغرب لاحقاً، هو "جبهة النصرة" التي تضم 6000 آلاف مقاتل.

وتقول أوساط في المعارضة السورية إنها ابلغت الى واشنطن مباشرتها وضع وتطوير خطط لتدريب عناصر للشرطة ومراقبة مصادر المياه وتطهيرها، وتدريب عناصر عسكرية وخبراء للتخلص من الأسلحة الكيماوية. فهل تُقدم واشنطن على التحرك الفوري لمنع السيناريو الأسوأ في سوريا؟ هذا ما يطالب به كثيرون من الخبراء والكتّاب الاميركيين اليوم.

السابق
رؤية المجتمع ومشكلاته
التالي
تشاورت مع نفسي واخترت سلام