وجوه جديدة..خطاب قديم

شاركت دول الربيع العربي بوجوه جديدة، لكن بخطاب قديم، لم تفرز قمّة الدوحة نوعيات. تبدّلت اللهجة وبعض المفردات، لكن الخطاب واحد، و"الهمّة" على حالها، تحدث الرئيس المصري محمد مرسي عن القضيّة الفلسطينيّة كما سبق وتحدث حسني مبارك، وأنور السادات.

تغيّر خطاب "الأخوان" بعد وصولهم الى السلطة، في الشارع كانت الشعارات ثوريّة "الويل والثبور، وعظائم الأمور لإسرائيل"، بعد وصولهم الى السلطة "لا بدّ من الحوار… والتسوية… وتطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة". في الشارع "دَشداشة"، في السلطة "ربطة عنق من ماركة دوليّة"؟.

نجحت الدوحة في جمع "الأضداد" لأنها متمكّنة، الغالبية تَنقّ، وتريد الأموال والمساعدات، لم يعد الصومال وجزر القمر وحدهما على اللائحة، توسّعت، وكثرت الأسماء، الوضع الاقتصادي مَأزوم عند الغالبيّة، والجوع كافر، تحوّلت القمّة الى مكان ومناسبة للنّق، الصناديق فارغة، والكلّ يطالب بالسيولة. بيت بمنازل كثيرة، هذا يشرّق، وذاك يغرّب، والكل يغنّي على ليلاه… وقبل أن ينهي خطابه يطالب بالتضامن العربي، وتفعيل دور الجامعة.

كان جيفري فيلتمان أنشط الحاضرين، لم يترك مسؤولا او وزير خارجيّة يعتب عليه، اجتمع بغالبية المشاركين في أعمال القمة، كان حاضراً في كل الملفات، وحريصاً على متابعة المناقشات، وأيضاً على الإلمام بأسرار الكَولَسات. لم يكن وحده، كان هناك أيضا وزير خارجية تركيا داوود أوغلو، ولم يظهر أيّ سبب أو تفسير يبررّ وجوده في القمّة العربيّة، إلّا إذا كانت هناك خلفيات وطموحات مستقبليّة لنَزع صِفة العروبة عن الجامعة، وتحويلها الى منظمة إقليميّة بانضمام تركيا وإسرائيل الى عضويتها؟.

هناك من يعطي توصيفاً مغايراً لهذا الحضور "اللاعربي" إذا ما أضفنا الى القائمة اسم الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحسان أوغلي، ويؤكد هذا التوصيف أن الجامعة ليست سيّدة نفسها، ولا القمّة، والدليل انها أشبَه بمنتدى خطابي يلتقي أعضاؤه على شَتم القوى الكبرى "المتصهينة المتآمرة" التي تتدخل في "شؤوننا الداخليّة، وشؤون منطقتنا، وتمارس سياسة المعايير المزدوجة"، وبعد الانتهاء من "حفلة الشتائم" يُصار الى الاتفاق والتفاهم على التحرّك باتجاه هذه القوى طلباً للعون والمؤازرة لمساعدتنا على معالجة قضايانا العالقة، والتي لا نَقوى على معالجتها في ظلّ غياب الوحدة القوميّة الحقيقيّة.

ينطبق الأمر على القضية الفلسطينية، أجمعَ الخطباء على التطرّق اليها، كلّ عالَجها من منظاره الخاص، ومن زاوية مصالحه، وكانت هناك أفكار ومقترحات متنوعة، إلّا أنّ الجامع المشترك كان العَجز التام في فرض الحلّ العربي الذي يراعي الحقوق الفلسطينيّة المشروعة، والحاجة الى الولايات المتحدة الأميركية، والأمم المتحدة، والدوَل الخمس الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وأيضاً الى الرباعية الدوليّة، ودول الاتحاد الأوروبي، وسائر الاتحادات الدولية الأخرى، ومناشدتها لمساعدتنا للوصول الى تحريك المفاوضات مع إسرائيل؟!.

ولم يكن الملف السوري أفضل حالاً، نجحت القمّة في منح مقعد سوريا للائتلاف الوطني المعارض. لكن سرعان ما تبيّن أن هذه الخطوة مُحرجة، حتى للذين صَوّتوا لمصلحة الائتلاف.

وظهر هذا التباين خلال الكلمات التي ألقيت، حيث كان شبه إجماع على أنّ هذا التدبير لا يساعد على إيجاد حل سياسي، لأنه هو بحدّ ذاته مشكلة، وإنّ تشكيل حكومة من المعارضة يعني قطع الطريق أمام قيام حكومة وحدة وطنيّة تُشرف على تطبيق المرحلة الانتقاليّة، وعدم قيام مثل هذه الحكومة يعني استمرار الحرب، وتعريض الكيان للخطر.

وقد قالها صراحة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي: "إن سقوط النظام لا يعني انتهاء القتال، ولا بدّ من تسوية"، وكان يردّ على الذين يطالبون بدعم المعارض بالمال والسلاح حتى يتحقق النصر. منطق غريب، هناك مال للسلاح، وليس من مال للنزوح.

ومال لتمكين المعارضة، مقابل مال لتمكين النظام، والنتيجة معروفة، المزيد من الضحايا، والمزيد من النزوح، والمزيد من التفتيت، ويبقى السؤال ما هو الفارق بين هذا المخطط وذاك الذي تسعى اليه إسرائيل؟!.

توالى على الكلام 18 خطيباً، وكانت النتيجة 18 رأياً، والجامع المشترك "انّ القمة مجرد كتلة معدومة الفعل والتأثير، باستثناء بعض من يملك النفط والمال". وإنها تجتمع لتقرر، فيما يبقى الرهان على الخارج، لأن الحل عند الروس، والأميركيّين، والاتحاد الأوروبي، وعند إيران، وتركيا، وإسرائيل، ومهمة الأخضر الإبراهيمي. كان همّ البعض في الجامعة أن يشارك الخطيب في القمّة، ويجلس على المقعد المخصّص لسوريا، فجلس في الداخل، فيما بقي الحلّ في الخارج؟!.

السابق
المفتي قباني مستنكراً اغتيال الحرفاني: الاضطراب في البلد ينذر بالخطر الكبير
التالي
استقالة الحكومة تفتح باب التسويات