أين تتفق موسكو وواشنطن حول الحل؟

لم يجد الوزير الأسدي وليد المعلم مكاناً ليفيض بالحديث عن الانتصارات العسكرية والتحولات الميدانية التي حققتها "كتائب الأسد" و"الشبيحة" بعد دمجهما في ميليشيا رسمية، سوى في موسكو وفي حضرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي يدير المعركة السياسية للأسد في الخارج مثلما يفعل الجنرالات والخبراء العسكريون الروس على الارض السورية يومياً. قال المعلم متبجحاً كما ورد في محضر الجلسة: "ان قواتنا تمسك الارض". رد لافروف بحدة: "ان فريقنا الأمني يعرف حقيقة الوضع". الترجمة الدبلوماسية لهذا الرد الجاف: "لا داعي للكذب أمامي لا تنس انك في موسكو التي، بمساعدة الإيرانيين لكم، نجحنا في إفشال الهجوم العسكري من الجيش الحر على دمشق، عدا عن نجاحات اخرى ابرزها في الحرب الالكترونية التي كشفت حركة التنسيقيات وضربها". بعد هذه "الصفعة "السياسية، عاد المعلم الى حجمه، وقال للافروف: "نحن نريد الحوار مع المعارضة بأسرع وقت".
الرئيس بشار الأسد يعرف جيداً ان الحل العسكري مستحيل لأن تفوقه بالطيران والسلاح الصاروخي لا ينتج انتصاراً على الارض في مواجهة الثوار الذين، يفيض بالاتهامات ضدهم، ومعه موسكو وطهران، حول تسليحهم وأنهم الإرهابيون الذين يدمرون سوريا. امام هذا الواقع المر، لا يعود من حل سوى الحل السياسي، هذا الحل الذي كيفما جرى تدوير زواياه يبقى رحيل الأسد نقطة مركزية فيه، اما الأساس والقاعدة للحل فيكمنان في التفاهم الاميركي – الروسي على الصيغة النهائية. واستناداً الى مصادر مطلعة في باريس فإن مسار أي حل يتفاوض عليه فريقان يتصارعان لتحقيق المكاسب وتخفيف الخسائر سواء لكل منهما أو لحلفائهما، فإن البداية تكون في تحديد النقاط المتفق عليها للانطلاق منها، ومن ثم النقاط المختلف عليها للتباحث حولها ويبدو ان موسكو وواشنطن تتفقان على:
ـ بقاء الجيش السوري وعدم تفكيكه كما حصل في العراق، ومعه مؤسسات الدولة حتى لا تقع الفوضى وتمتد عملية اعادة البناء عقداً من الزمن. ما يشجع العاصمتين ان العمود الفقري للجيش ما زال متماسكاً خصوصاً لأنه لم يزج به في المعارك لعدم ثقة الأسد به، كما ان مؤسسات الدولة ما زالت بدورها حاضرة على الرغم من بعض الخسائر.
ـ منع وصول الأصوليين والجهاديين الى السلطة، لأن في ذلك أخطاراً تتجاوز سوريا وتتناول المنطقة وصولاً الى الجمهوريات الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً.
ـ ان مكان التفاوض ليس دمشق، لأن لا احد يثق بالوعود الأمنية الأسدية خصوصاً بعد خطف المعارض عبد العزيز الخيّر رغم الضمانات الروسية له قبل عودته الى دمشق، لذلك فإن جنيف او فيينا هما العاصمتان المؤهلتان لاحتضان اي مؤتمر حوار سوري – سوري.
اما الاختلاف فيتناول "مستقبل الاسد"، لكن دائرة هذا الخلاف ضاقت جداً، لأن التوافق على جعل مدة المرحلة الانتقالية سنة، يعني حتى اواسط ايار من العام الذي يتوافق مع نهاية ولاية الأسد الرئاسية. ويبدو ان النظام البرلماني الذي يحيل دور الرئيس الى موقع تمثيلي هو الحل للخلاص من مسألة بقاء الاسد. يبقى معرفة اين ايران من ذلك كله خصوصاً أنها قادرة على تخريب اي حل وجعل تنفيذه صعباً جداً؟ كما يبدو أن موسكو وواشنطن ستعملان للضغط على أصدقائهما وحلفائهما للسير في الحل عندما ينضج، خصوصاً انه توجد "جوائز" ترضية للجميع.
في هذه الأثناء يجري العمل لتوحيد المعارضات السورية لأنه من دون ذلك لن ينفذ اي حل بشكل سريع، وكلما طالت فترة المفاوضات ارتفعت الكلفة على جميع المستويات. ولا شك في ان كل الأطراف العربية والدولية مطالبة بدورها بتعديل مواقفها وتشددها وتدوير الزوايا بما ينسجم مع التحولات الحالية والمقبلة، وهنا يجب النظر بجدية الى التحول في مسار التعامل السياسي والميداني لإدارة اوباما الذي برز بعد جولة وزير الخارجية جون كيري في المنطقة، بما يتفق مع مسار إحداث تحولات على الارض لا تقلب موازين القوى كلياً بين النظام الأسدي والمعارضة السورية خصوصاً المسلحة منها. وبهذا يتعب الطرفان ويكونان اكثر استعداداً لتقديم التنازلات.

السابق
كلفة الإخوان في مصر
التالي
خطف والدي لن يثنيني ابدا