ميقاتي والارثوذكسي: الغموض نهجاً

من الصعب تصديق موقفٍ لرئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، خاصةً أن ممارسته السياسية لابد أن تنقض هذا الموقف. قبل أسابيع خرج رئيس الحكومة بموقف حاسم: مشروع اللقاء الأرثوذكسي، يُعيد البلد إلى مرحلة ما قبل اتفاق الطائف بكلّ تداعياتها. تحذير ميقاتي جاء مستخدماً لغةً حادة جداً، أشعرت من قرأ هذا التصريح بأن الرجل يُريد أن يكون أكثر وضوحاً.. أخيراً.
في اللحظة التي تحوّل هذا المشروع إلى حقيقة في اللجان المشتركة، تراجعت حدة كلام ميقاتي. بات الرجل متحفظاً. التحفظ هنا، يختلف عن الحسم. لحظة التصريح السابق، كان المناخ في البلد لا يُعطي مشروع “التقسيم المذهبي” حظوظاً جديّة. كانت معطيات السرايا الحكومية تُشير إلى السير بالمشروع المختلط. التحفظ اليوم، يأتي بعد إقرار المشروع في اللجان المشتركة، بأصوات كتلٍ نيابيّة أكثر من نصفها مشارك في حكومة ميقاتي.
إلى جانب التحفّظ، أعلن رئيس الحكومة تمسّكه بمشروع حكومته. إعلان أتى متأخراً. كما أنه إعلان يفتقد للدقة، فمصادر السراي الحكومي تؤكّد منذ أشهر أن "دولته" مقتنع بحتمية السير بالمشروع المختلط. هكذا إذاً، لم يعد واضحاً ما الذي يُريده رئيس الحكومة.
تُقارن مصادر سياسيّة، بين موقف ميقاتي وموقف رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. الأخير كان واضحاً. أعلن مراراً التمسك بمشروع الحكومة. رفض مشروع اللقاء الأرثوذكسي، وهدد بالطعن به أمام المجلس الدستوري. أمّا ميقاتي، وبحسب هذه المصادر، فلا يُريد تبني أي موقف واضح. يُريد استشعار المناخات المحليّة والدوليّة أولاً، على طريقة رجال الأعمال لا على طريقة رجال الدولة.
تقول مصادر السرايا، إن رئيس الحكومة يرفض هذا المشروع، وإنه متمسّك بمشروع حكومته، لكنها تُضيف: “ما الذي يملكه ميقاتي للوقوف بوجه المشروع الأرثوذكسي؟”، وتُجيب على تساؤلها بأنه لا يملك شيئاً. فكرة الاستقالة غير واردة. ماذا عن إقراره في مجلس النواب؟ تُشير هذه المصادر إلى أن ميقاتي لن يُصوّت مؤيداً للمشروع، “لكنه إذا أقرّ فإنه سيجري الانتخابات بناء على القانون الذي يُقرّه مجلس النواب”.
في المبدأ، إذا حاكمنا رئيس الحكومة، على ما صرّح به أولاً، من أن هذا المشروع يُعيدنا إلى مرحلة ما قبل بكل تجلياتها، ثم رأيناه يرأس حكومة تُجري انتخابات على هذا الأساس، فإن في الصورة خللاً غير مقبول. الصورة تقول، إن نجيب ميقاتي يُنفذ قانوناً، يعلم بنفسه أنه يأخذ البلد إلى مرحلة غير محمودة. هنا، تعود صورة شربل نحاس إلى الواجهة. الوزير الذي استقال رفضاً لوضع توقيعه على مرسوم غير مقتنع به.
أمّا عن حظوظ ميقاتي انتخابياً، في هذا المشروع، فإن مصادر السرايا تشير إلى أن شعبية ميقاتي تسمح له بدخول البرلمان بكتلة برلمانية مقبولة استناداً إلى مشروع اللقاء الأرثوذكسي.
تقول مصادر مقربة من ميقاتي إن الرجل لا يُمكن أن يوافق على مشروع يهدف إلى إضعاف حليفه الأول النائب وليد جنبلاط. كما أن ميقاتي لا يحتمل أن يكون حصان طروادة آخر في الطائفة السنيّة. وتشرح هذه المصادر الأمر كالتالي: موافقة ميقاتي برلمانياً، تكسر نظرية رفض الطائفة السنية للمشروع، إذ أنه رئيس الحكومة وقد وافق عليه. أما رفضه للمشروع، فيُعيد إلى الأذهان تجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي اعتبرها فريق الثامن من آذار غير ميثاقيّة بسبب انسحاب الوزراء الشيعة منها. فكيف بإقرار قانون انتخابي، من دون موافقة طائفة كبرى ؟ لذلك، فإن هذه المصادر، تلفت إلى أن ميقاتي يعيش بين ضغط علاقته بجنبلاط، وعدم قدرته على الخروج عن الاجماع السني. وفي الوقت عينه هو عرضة لضغوط حزب الله وسوريا. علينا أن نتذكر أن صاحب فكرة المشروع الارثوذكسي هو إيلي الفرزلي.
لذلك، بحسب هذه المصادر، فإن ميقاتي ينتظر العون من الخارج لفهم الصورة واتخاذ القرار المناسب. هو حصل على الجرعة الأولى من الدعم الخارجي عبر زيارة وزير الخارجيّة البريطاني وليام هيغ. ربما هذا الدعم هو الأهم، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن السفير البريطاني في لبنان توم فليتشر، وهو صديق شخصي لميقاتي، تحول إلى مستشار العلاقات العامة لرئيس الحكومة بعد اغتيال اللواء وسام الحسن. في ذلك الوقت، تولّى فلتشر إقناع صحافيين غربيين بأن ميقاتي سياسي جيّد، ثم تولّى التنسيق بين سفراء الدول الخمس الكبرى لزيارة السرايا بعد يوم من الاغتيال ودعم ميقاتي.
في المحصلة، من الوضح أن الرجل يتقصد المراوغة، لا تعنيه إلا حسابات العودة إلى الواجهة السياسية انتخابياً. هذه المراوغة، طبعت عهد رئيس الحكومة في غير ملف وحدث، ولا زالت تحكم وتتحكم بتصرفه، وتمنعه من الانتقال من واقع المدافع عن خياره إلى ساحة الواثق من نهجه الوطني والواضح تماماً في ما يقول وما يفعل.

السابق
المعلوف: اللجان الفرعية درست جميع اقتراحات القوانين التي قدمت
التالي
البرادعي يحذر من إجراء الانتخابات البرلمانية مع استمرار الاحتقان المجتمعي