مَن يحاسب مَن؟

إن حملة الافتراء والأضاليل التي يقودها التيار الوطني الحر ضد الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإنجازاته ونهجه ليست وليدة ساعتها، بل هي تأتي في سياق حملة منسّقة ومبرمجة، سبقه إليها آخرون انزعجوا من نجاحات رفيق الحريري وفريقه وتيّاره.

لقد واجه الرئيس الشهيد حملات شرسة عدة، وعلى مدى سنوات، لتشويه صورته. واستمرّت هذه الحملات بعد اغتياله، في محاولة بائسة لمحو نهج رجل الإعمار وإنجازاته من ذاكرة اللبنانيين. مَن منّا لا يتذكّر كتاب "الأيادي السوداء"؟ ومَن منّا لا يتذكّر الحملة الشعواء التي تعرّض لها قبيل انتخابات العام 2000؟ ومَن منّا لا يتذكّر حملات التجنّي والافتراء التي تصاعدت وتيرتها قبيل اغتياله؟ مَن منّا لا يتذكّر الاتهامات الباطلة التي سيقت على فريق عمل الرئيس رفيق الحريري، وفي طليعتهم الرئيس فؤاد السنيورة؟ وما كُتيّب "الإبراء المستحيل" إلّا فصل جديد من الحملة ذاتها.

تلفيقات بالجملة يسوقها التيار الوطني الحر ضدّ الحكومات التي ترأّسها كلّ من الرئيس الشهيد، والرئيس فؤاد السنيورة والرئيس سعد الحريري. هو يمعن في الكذب أملاً منه أن تعلق بعض تلفيقاته في عقول الناس، وظنّاً منه أنّ هذا الأسلوب الغوغائي والمتدنّي يسهّل كسب المؤيّدين له.
لطالما رحّب فريقنا السياسي بالنقد الإيجابي وبالمعارضة البنّاءة.

وعلى هذا الأساس اعتمدنا نهجاً علميّا وموثقاً للردّ على ملاحظات البعض وانتقاداتهم، وحتى على التلفيقات والافتراءات، إيماناً منّا بأنّ الخطاب السياسي يجب ألّا ينحدر الى المستوى الذي عوّدنا عليه تيار الإصلاح والتغيير.

لقد كنت شخصيّاً عرضةً لهذا النوع من الحملات خلال ممارستي لمهامي كوزيرة للمالية في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري. لقد قمت بإعداد مشروع موازنة عام 2010 الهادفة الى معالجة أولويات الناس وتحفيز الاقتصاد.

إلّا أنّه بدل أن تُستكمل مناقشتها في لجنة المال والموازنة ومن ثمّ إقرارها من الهيئة العامة للمجلس النيابي، فإذا برئيس لجنة المال والموازنة يستغلّ صفته رئيساً لها ويستعمل منبرها لإلقاء الافتراءات الواحدة تِلوَ الإخرى، بهدف الإيحاء بأنّ فريقنا السياسي لم يكن على قدر المسؤولية لإدارة المال العام، وذلك كلّه لأهداف سياسية لا تخفى على أحد.

وبالفعل، فإنّه خصّص أكثر من 54 جلسة، تحت ذريعة مناقشة الموازنة، لإطلاق حملته وافتراءاته. إلّا أنّنا، انطلاقاً من إيماننا بضرورة توضيح الحقائق للّبنانيين، أعددنا الردود المناسبة ووثّقناها وقمنا بتزويد أعضاء اللجنة بها وإطلاع الرأي العام عليها.

غير أنّ فريق الإصلاح والتغيير أصرّ على المضيّ بافتراءاته وأضاليله، وما كُتيّب "الإبراء المستحيل" سوى عملية تجميع لتلك الأضاليل والأكاذيب والافتراءات، هذا الكُتيّب الذي أُعِدّ بأسلوب هزلي، وهو الأسلوب ذاته الذي يعتمده كلّ ثلاثاء الجنرال ميشال عون، لإطلاق العنان لافتراءاته وتهديداته بلغة متدنّية وعصبية ملحوظة، مستخفّاً بعقول اللبنانيين.

إنّ هدف التيّار العوني الأساسي من هذا الكُتيّب هو جذب الناخبين عشية الانتخابات، بعدما شعر بأنّ قاعدته الشعبية تبتعد عنه مخذولة بتيّار وعدها في انتخابات الـ 2009 بمحاربة الفساد، فإذا به يصبح بعد خمس سنوات عنواناً عريضاً له وللصفقات والفضائح المالية والإثراء غير المشروع. وها هو التيار مرّة أخرى، يعاود الكرّة، قبيل انتخابات العام 2013 النيابية، برفعه الشعارات ذاتها في محاولة يائسة لتغطية فشله وعدم التزامه بوعوده، إن على صعيد المياه أو الكهرباء أو الاتصالات.

وهنا نضع بين أيدي المواطنين التساؤلات التالية:

أين أصبحت مطالبة الإصلاح والتغيير، الممثل بعشرة وزراء في الحكومة الحالية، باستكمال الحسابات المالية بصيغتها النهائية (قطع الحساب وحساب المهمة)؟ ولماذا التغاضي اليوم عن المطالبة بهذا الموضوع؟

لماذا تجاهل فريق الإصلاح والتغيير كلّياً عدم إعداد الحكومة الحاليّة موازنة عام 2011 ولم يطالبها بإعداد وإقرار موازنة عام 2013؟ ولماذا لم يعمل النائب إبراهيم كنعان على مناقشة وإقرار موازنة العام 2012؟

لماذا تغاضى فريق الإصلاح والتغيير عن إنفاق الحكومة الحاليّة مبلغ 11 مليار دولار أميركي من خارج القاعدة الإثنتي عشرية في أقلّ من عامين؟ فإذا كانت الظروف القاهرة أملت على الرئيس السنيورة الإنفاق من خارج هذه القاعدة، فما الذي يبرّر تخطّي الحكومة الحاليّة القاعدة الاثنتي عشرية؟
لماذا سكت التيار الوطني الحر عن مسؤولية الحكومة الحالية عن ارتفاع حجم الدين العام في 2012 بما يزيد عن 4 مليارات دولار، وهو أعلى زيادة في السنوات العشرين الماضية؟

لماذا اختار وزير الإصلاح والتغيير الاستدانة بفوائد مرتفعة عبر سندات الخزينة للإنفاق على مشاريع الكهرباء، ممّا يزيد في عبء خدمة الدين العام، في حين كان بإمكانه الاستفادة من قروض ميسّرة عرضتها الجهات المانحة والصناديق العربية، أو حتى من خلال إشراك القطاع الخاص؟ هل كان يخشى الرقابة التي تمارسها هذه الصناديق على إنفاق القروض التي تمنحها؟

هل مَن يخشى المحاسبة ويطلب براءة ذمّة، كما يدّعي الإصلاح والتغيير، يتقدّم بمشروع قانون للتعاقد مع شركات عالمية للتدقيق في كافة حسابات الدولة من العام 1990 ولغاية اليوم؟ وهذا تحديداً ما قامت به حكومة الرئيس السنيورة في العام 2006. ألم يكن أجدى بفريق الإصلاح والتغيير الوقوف إلى جانبنا للمطالبة بإقرار هذا القانون؟ أليست هذه الطريقة المثلى للمساءلة والمحاسبة والشفافية؟

هل من يخشى المحاسبة ويطلب براءة ذمّة، يتقدّم من المجلس النيابي بطلب تأليف لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق بحسابات الدولة منذ العام 1989 حتى تاريخه، كما فعلت كتلة تيار المستقبل في العام 2012؟

كان يتوقّع ناخبو الإصلاح والتغيير أن يمارس هذا الفريق، لدى تولّيه السلطة، الإصلاح والتغيير فعلاً لا قولاً، إلّا أنّهم اكتشفوا أنّه امتهن الفساد والإفساد عبر الصفقات والسمسرات التي فاحت رائحتها من وزارتي الطاقة والاتصالات.

لهذه الأسباب يشكّل كُتيّب "الإبراء المستحيل" محاولة يائسة على مشارف الانتخابات النيابية بهدف إعادة استقطاب شعبية يعلم فريق الإصلاح والتغيير أنّه خسرها خلال السنوات الماضية بفعل ممارسات نوّابه ووزرائه. غير أنّنا على ثقة بأنّ اللبنانيين، عند انتخابهم لنوّابهم، سوف يحاسبون من رفع شعارات زائفة لأنّنا على يقين أنّ لديهم ما يكفي من الحكمة والوعي للتمييز بين الافتراء والحقيقة.

إنّ الحساب هو حقّاً في صناديق الاقتراع.

السابق
لن يبقى لبناني على أرض الخليج؟
التالي
اسرائيل تسخر من حديث أوروبا عن “جناحين” لحزب الله