سليمان يرفض بيضة القبّان الجنبلاطية

يتواكب السجال حول قانون الانتخاب العتيد مع نقاش في الكواليس السياسية بشأن الربط بين عملية إنتاجه وأمرين أساسيين على صلة وثيقة به: الأول، رغبة رئيس الجمهورية ميشال سليمان بإنتاج كتلة نيابية وسطية مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، والثاني يتعلق ببحث القوى عن قانون انتخاب يشير إلى مواصفات رئيس الجمهورية المقبل.

لاءات سليمان

سليمان قرر أن يكون واضحاً ومباشراً في إعلان ثوابته بشأن قانون الانتخاب الذي يريده أو الذي يرفضه، وقد حددها بثلاث لاءات حاسمة، حسبما نقل عنه الأسبوع الماضي بعض زواره، إضافة إلى مصادر قريبة منه:
الأولى، لا للقانون الأرثوذكسي لأنه غير دستوري، كما وصفه في العلن، ولكن يقول في نقاشاته الخاصة «هذا مشروع من شأنه تقسيم البلد وتشتيته وإعادته مئة عام إلى الوراء». ويضيف: «لن أسير به، تحت أي اعتبار. والبعض يقول لي إن موقفي هذا يلحق خسائر برصيدي المتعاظم في الشارع المسيحي، ولكنني أجيب بأنني مصرّ على رفضي له».

بعض زوار الرئيس ينقلون عنه قوله: «لن أسير بالمشروع الأرثوذكسي، ولو اضطررت إلى تقديم استقالتي». ويضيف: «أعرف أن طموح كل ماروني هو الوصول إلى رئاسة الجمهورية. وأنا أصبحت رئيس جمهورية، وبالنسبة إلى تجديد ولايتي، إذا حصل هذا الأمر لأسباب معينة، فهذا أمر آخر، وإذا لم يحصل، فإنني لست راغباً به».
الثانية، لا لأي قانون أكثري. وفي مجالسه يقول سليمان: «لن أمشي بقانون لا يعتمد النظام النسبي، وليس مهماً عندي شكل الدائرة، سواء محافظة أو لبنان دائرة واحدة أو أقضية».
الثالثة، لا لقانون جوهره مراعاة جعل النائب وليد جنبلاط بيضة قبّان معادلة الحكم والحكومة. وينقل عنه زواره قوله في هذا المجال: «لن أوافق على سيناريو يجعل كتلة جنبلاط النيابية بيضة قبّان معادلة لحكم في البلد». ويتابع بحزم، عادة ما يتجنب الرئيس سليمان إبرازه في مقاربته للمواضيع الساخنة: «أرفض أن يتحكم أي أحد برقاب اللبنانيين، من طريق حصوله على امتياز بيضة القبّان في أي قانون انتخابي، ولا يحق لأحد أن يجعل مصلحته فوق اعتبار مصلحة البلد».

الكتلة الوسطية

وفي ما يتعلق برؤيته للانتخابات ونتائجها المثلى، لا يخفي سليمان تأييده إنشاء كتلة نيابية وسطية، تتألف من خمسة عشر إلى عشرين نائباً، تضم نواباً محسوبين عليه، بالإضافة إلى كتلة يحصدها الرئيس نجيب ميقاتي الذي يراه سليمان من أبرز العاملين لإنتاج كتلة وسطية وازنة في البرلمان الجديد. ويسمي سليمان مشاركين متوقعين فيها، هم: ميشال المر، وإلياس سكاف، وإذا أراد الرئيس نبيه بري مع كتلته.
ويرى سليمان أن من شأن هذه الكتلة الوسطية أن تحول دون أخذ أي طرف من اصطفافي 8 و14 آذار الأغلبية النيابية.
ويلاحظ أن سليمان يكرر في مناسبة انتخابات عام 2013، العناوين نفسها التي سوغ بها رؤيته عن «الكتلة الوسطية» التي كان قد طرحها عشية انتخابات عام 2009، ومرة ثانية في شتاء عام 2011 عندما سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري لمصلحة ترشيح ميقاتي مكانه، ولكن هذه المرة يطرحها مع فوراق بارزة أبرزها إقراره بتغير موقعه فيها من سقف لها إلى شريك فيها، لمصلحة أن يحتل ميقاتي بداخلها موقع «المتقدم بين متساويين».
وجوهر اختلاف الظروف هنا، يتمثل بأن سليمان أراد عشية انتخابات عام 2009 إنشاء كتلة وسطية تواكب عهده الذي كان في بدايته، وتكون التعبير السياسي الداخلي له. أما طرحه لها حالياً، فهو يأتي في سياق سعيه إلى ضمان استمراره السياسي في مرحلة ما بعد الرئاسة.
الفارق الثاني يتمثل بأن الكتلة الوسطية التي يسعى إليها سليمان تتضارب وظيفتها السياسية هذه المرة، مع مطلب جنبلاط إبقاء دور «بيضة القبّان» لنفسه في مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية. فسليمان يطرح كتلة ثالثة، ليست وسطية، وبالمقابل يرشح جنبلاط كتلته لنفس هذه الوظيفة أيضاً. ويطرح هذا التضارب أسئلة عن موقف ميقاتي منهما، وخصوصاً أن انحيازه إلى أحدهما، يحقق الغلبة للآخر. فجنبلاط يقول: «أنا وميقاتي في مركب واحد»، والرئيس سليمان يرشح ميقاتي لدور «أبي الوسطية» في المرحلة المقبلة.
لكن سليمان يضيف حاجة جديدة إلى هذه الكتلة، هي أنها تضمن الاستمرار على ذات نهج الحكومة الحالية بشأن الأزمة السورية. وينقل عنه زواره قوله: «تبين أن الموقف الذي اتخذناه من الوضع السوري كان جيداً، ويجب الاستمرار على حيادنا، ومن الخطأ أن يأخذ اللبنانيون موقفاً مع طرف ضد آخر في الأحداث السورية». ويرى أن ملف النازحين السوريين إلى لبنان، هو «قضية إنسانية»، وهو «ضد تسليح المعارضة السورية انطلاقاً من لبنان، مثلما هو ضد إمرار السلاح إلى لبنان من سوريا لتنفيذ عمليات إرهابية على نحو بعض الوقائع التي حدثت».

صلة القانون بمواصفات الرئيس

في مناسبة سابقة قال الرئيس بري إن الصراع على قانون الانتخاب، له صلة بانتخاب رئيس جمهورية جديد في عام 2014، ورأى أن فتح بازار القانون الانتخابي بكّر بفتح بازار معركة انتخابات رئاسة الجمهورية. ويوجد لهذه المعادلة غير مستند على أرض الواقع. فالقانون الانتخابي الجديد مربوطة ناصيته بما يريده المسيحيون لأنفسهم لتصحيح تمثيلهم داخل مجلس النواب، وثمة من يرى أن كل قانون من القوانين المطروحة يشير إلى مواصفات معينة ومغايرة لفخامة الرئيس العتيد.
وهناك من يغامر في وضع تطبيقات عملية لهذا التمرين، إذ يرى أنه حال إقرار قانوني الستين أو الخمسين دائرة، فإنهما سيشيران إلى رئيس بمواصفات صقور موارنة 14 آذار (سمير جعجع في حدّ أقصى وبطرس حرب في حدّ أدنى وما بينهما). فيما قانون فؤاد بطرس يشير إلى رئيس بمواصفات قائد الجيش جان قهوجي أو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وما شاكلهما. أما قانون الستين معدلاً، فيشير إلى مواصفات رئيس جديد من الطبقة السياسية التقليدية، يكون حيادياً ومرشح إدارة أزمة (جان عبيد ومن يشابهه)، والقانون الأرثوذكسي يشير إلى رئيس بمواصفات جديدة، قوي ويستعمل كل صلاحيات رئيس الجمهورية، ما يعوضه ما سلب منه في اتفاق الطائف (في حدّ أعلى ميشال عون أو على شاكلته لجهة استقلاليته عن التبعية للنفوذ السّني في 14 آذار).

السابق
أصوات لبنانيّة حيال الثورة السوريّة
التالي
الهرب من قانون لتحسين التمثيل الوطني