المالكي والفرصة الضائعة

كان باستطاعة الرئيس نوري المالكي أن يفعل غير ما فعل أو عكس ما فعل. كان يمكن أن يتحول وجوده على رأس الحكومة حاجة عراقية وحاجة إقليمية. كان يكفي أن يقرأ بعناية الخسائر التي لحقت بالدول المجاورة. وأن يستنتج أن اللحظة مناسبة ليرمم العراق تركيبته في الداخل ودوره في الخارج. كان باستطاعته الانطلاق من التفاهم الإيراني – الأميركي على شخصه ليجعل دوره فرصة جديدة لبلاده مهما استلزم ذلك من قرارات صعبة أو مؤلمة.

لحقت بجيران العراق خسائر كبرى. بعد اندلاع الانتفاضة السورية أصيب الدور الإيراني في المنطقة بعطب كبير. لم يكن أمام إيران غير الوقوف مع النظام السوري. وهذا الموقف يتناقض بالتأكيد مع مواقف الأكثرية الساحقة من الدول العربية والإسلامية. مشاهد القتل والدمار في سورية طرحت أسئلة عميقة حول قاموس الممانعة وقصة نصرة المظلوم. تضاعفت الحساسيات السنية – الشيعية في الإقليم وتحولت جداراً أمام الدور الإيراني.

يمكن القول إن السياسة التركية في المنطقة أصيبت هي الأخرى بعطب كبير عبر ما يحدث في سورية. كانت سورية الأسد البوابة التي استخدمتها تركيا أردوغان للعبور إلى العالم العربي قبل اندلاع «الربيع العربي» ومسارعة أنقرة إلى حجز مقعد فيه. ليس سراً أن سياسة «تصفير المشاكل» التي حملها احمد داود أوغلو لجأت باكراً إلى المتحف.

أدت المواجهات المريرة في سورية إلى سقوط اللاعب السوري وخروجه من الحلبة. تقلصت سيطرة النظام على أراضيه وتقلصت شرعيته العربية والإسلامية والدولية وتحولت سورية ملعباً بعدما كانت لاعباً.

كان باستطاعة المالكي أن يلتفت إلى هذه الفرصة. وأن يستنتج أن عليه التحرك سريعاً لإنجاز تسوية تاريخية مع شركائه في الوطن. وأن يقدم بعض التنازلات من موقع قوة. والغرض حماية العراق من رياح التفكك التي تهب من سورية وقطع الطريق على احتمال تحول المكونات العراقية أوراقاً في لعبة التجاذبات والمساومات الإقليمية. كان باستطاعته أن ينفذ تعهداته لبارزاني وأن يوفر مظلة وطنية لمعالجة مشكلة طارق الهاشمي.

جاءت الفرصة ولم يلتقطها المالكي. كان التقاطها اهم بكثير من الاحتفاظ بحقائب وزارية. كان من شأن نجاح المصالحة الوطنية في العراق أن تبعث برسالة ضد مناخات النزاع السني -الشيعي على مستوى الإقليم. كان من شأنها أن تقدم نموذجاً فشل لبنان في توفيره بسبب تفضيل سياسة حفر الخنادق على سياسة اليد الممدودة.

لهذا يتعرض المالكي لتحد غير مسبوق. انتفاضة في المحافظات العربية السنية. وتدهور في العلاقات مع الأكراد ينذر بعواقب وخيمة. وتصريحات قاسية لمقتدى الصدر تتهمه بتحويل العراق «مسخرة» وتنصحه بالتفكير في الاستقالة قبل أن يرغمه «الربيع العراقي» على تقديمها. وتتعرض حكومة المالكي لما هو أقسى. بعض أبناء المحافظات المنتفضة يترحمون على أيام صدام حسين. ويرفعون شعارات معادية للتدخل الإيراني في الشؤون العراقية. وليس سراً أن هذه المناخات قد تسهل لـ «القاعدة» العثور مجدداً على مواقع في مناطق كانت أرغمت على مغادرتها.

أخطر ما يواجهه المالكي هو سعي رجل الدين السني البارز عبد الملك السعدي إلى نزع الطابع المذهبي للانتفاضة السنية. أي نجاح يحرزه في هذا الاتجاه سيضع مقتدى الصدر أمام امتحان لصدقيته. ولقاء تيار الصدر بانتفاضة المحافظات العربية السنية ويأس الأكراد من حليفهم السابق ستجعل المالكي محتاجاً إلى تدخل إيراني حازم لإنقاذ حكومته وهذا يعمق المشكلة بدلاً من حلها. اتكاء المالكي على تفاهم إيراني -أميركي ضمني على دعمه لا يشكل بوليصة تأمين دائمة. جاءت الفرصة وضاعت. ويبقى السؤال: لماذا أضاع المالكي الفرصة؟.

السابق
الجرّاح: منفتحون على أي نقاش في قانون انتخاب يؤمّن صحة التمثيل
التالي
خطف صحفي أمريكي في سوريا