علي فضل الله: لتف الحكومة بالتزاماتها ووعودها

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ومن التقوى الالتزام بما ورد عن السيد المسيح، حيث ورد أنه خرج يوما إلى الصحراء ومعه ثلاثة من أصحابه، فلما توسطوا فيها رأوا لبنة من ذهب مطروحة على الأرض، فقال عيسى لأصحابه: "هذا الذي أهلك من كان قبلكم فإياكم ومحبة هذا"، ثم مضوا في سبيلهم، وبعد هنيهة، صار كل واحد منهم يفكر في لبنة الذهب حتى أشغل بريقها أذهانهم، وكل راح يفكر كيف يحصل عليها، فتقدم أحدهم إلى السيد المسيح وقال: يا روح الله، ائذن لي بالرجوع إلى البلد، فإني أشعر بالألم فأذن له، ثم تقدم الثاني ثم الثالث فأذن لهم جميعا، وذهبوا إلى تلك اللبنة، والتقوا عندها وكل يمني نفسه بها، لكنهم كانوا جميعا جائعين، فقالوا: فليمض أحدنا إلى البلد ليشتري لنا طعاما نأكله هنا، فذهب أحدهم واشترى طعاما، ثم صار يفكر في نفسه: لو أجعل في هذا الطعام سما فيأكلاه ويموتان، فأحظى بلبنة الذهب وحدي، ونفذ هذه الخطة وجعل السم في الطعام الذي سيقدمه لهما، أما صاحباه، فإنهما اتفقا أثناء ذهابه أن يقتلاه بعد عودته ليحظيا بلبنة الذهب وحدهما، فلما جاء بالطعام، بادرا إلى قتله ثم جلسا يأكلان الطعام فتسمما وماتا، فلما رجع السيد المسيح، وجد أصحابه أمواتا عند تلك اللبنة، فدعا الله سبحانه وأن يحييهم فأحياهم، فقال لهم: ألم أقل لكم إن هذا الذي أهلك من كان قبلكم، فإياكم ومحبة هذا".

واعتبر ان "حب المال هو سبب الكثير مما يعاني منه واقعنا، هو سبب الكثير من الفتن والخصومات والنزاعات، ولأجله نعاني وعانت فلسطين، ولا تزال تعاني، حيث تستمر معاناة الشعب الفلسطيني في الداخل من خلال استمرار عمليات القتل والاعتقال، من غير أن يبالي هذا العدو بما تقوله الأمم المتحدة، إضافة إلى سياسة الاستيطان التي باتت على أشدها، في ظل التنافس بين مختلف الكتل البرلمانية الصهيونية، حيث الشعار الأساسي لكسب الأصوات في الانتخابات هي زيادة المستوطنات وتثبيتها".

وقال: "إنَّ هذا الواقع يستدعي الوعي من الشعوب العربية لما يحاك ضد الشعب الفلسطيني وضدها، لتبقى محدقة بالعدو الرئيسي الذي يعمل على شطب فلسطين كلها من المعادلة في إطار سعيه للسيطرة على المنطقة كلها، ولذلك، فإننا نعيد التأكيد على مزيد من التنسيق والتقارب بين الفصائل الفلسطينية وعدم وقوعها في فخ الانقسام الذي يعمل له في الليل والنهار".

اضاف: "أما في مصر، وخصوصا بعد نجاح الشعب المصري في اجتياز امتحان الاستفتاء، على الرغم من بعض الشوائب التي أثيرت حوله، فإننا نؤكد ضرورة تعزيز لغة الحوار والتواصل بين فئات هذا الشعب وتوحيد جهوده من أجل تأمين حاجات الشعب المصري ومتطلباته الكثيرة، ولا سيما في ظل الصعوبات الاقتصادية الكثيرة، وللنهوض بهذا البلد على مختلف المستويات والقيام بدوره الاستراتيجي على مستوى المنطقة".

وتابع: "إننا نخشى من أن ينجر هذا البلد إلى صراعات داخلية تجعله أسير عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، ولذلك، فإننا ندعو المعارضة إلى وعي خطورة هذا الأمر وتداعياته، كما نؤكد في الوقت نفسه على الإسلاميين في مصر، العمل على مد جسور التواصل مع كل المكونات السياسية في مصر وإزالة الهواجس التي تشعر بها".

ودعا الإسلاميين إلى أن يقدموا تجربة إسلامية حضارية تزيل الأوهام عند الحديث عن حكم تنطلق قواعده من الإسلام، إسلام الانفتاح على الآخر، إسلام العدالة الاجتماعية، إسلام قبول النقد واعتبار النقد هدية، إسلام الحوار ومد الجسور".

وقال: "ونصل إلى العراق الذي يعاني في هذه الأيام من ارتفاع منسوب الخطاب المذهبي، من خلال بعض الوقائع ذات الطابع السياسي والأمني، والتي مع الأسف تلبس لبوسا مذهبيا، كما هو الحال عند بروز مثل هذه الأزمات. إننا أمام هذا الواقع الخطير بكل تداعياته الداخلية والخارجية، ندعو الشعب العراقي إلى أن لا يقع مجددا في مهاوي الفتنة المذهبية التي اكتوى بنيرانها، والتي لن تكون لمصلحته، بل تزيد معاناته معاناة، وتسمح للمصطادين في الماء العكر، بأن يتحركوا بكل حرية".

اضاف: "ونصل إلى سوريا، هذا البلد الذي تستمر معاناته قتلا ودمارا ومجازر، في ظل الحديث عن انعدام الحلول السياسية وإبقاء اللغة هي لغة الميدان، فإننا نتطلع إلى حل سياسي يخرج هذا البلد من معاناته، ويعيده إلى لعب دوره الريادي في المنطقة، ويبقيه صخرة صلبة في مواجهة الكيان الصهيوني والمخططات الاستكبارية. إننا ندعو السوريين جميعا إلى أن يكون همهم هما واحدا، وأن يكون الصوت صوتا واحدا، هو الحفاظ على سلامة هذا البلد وأمنه واستقراره، وأن يكون ذلك هو الأساس وفوق كل الاعتبارات السياسية والذاتية وما إلى ذلك".

وتابع: "أما لبنان، فلن يصل شعبه إلى سنة جديدة وقد تأمنت متطلباته الاجتماعية والاقتصادية، وخرج من انقساماته، فلا سلسلة الرتب والرواتب أخذت طريقها إلى التنفيذ، ولا الأزمات المعيشية والاقتصادية حلت، ولا برزت إشارات جدية في العودة إلى طاولة الحوار، وكأن الجميع يترقب الأشهر الأولى من السنة الجديدة، لترتسم صورة البلد على أساس صورة المشهد الإقليمي. إننا إذ نسجل للحكومة إيجابية البدء بتحريك موضوع النفط، فإننا ندعوها إلى أن تنطلق في السنة الجديدة لتفي بالتزاماتها ووعودها باتجاه مواطنيها الذين ينتظرون منها الكثير، وأن يكون مستقبل أمرهم خيرا من الماضي".

وختم: "وأخيرا، ونحن على مقربة من رأس السنة الميلادية، التي باتت ـ وللأسف ـ محطة التوتر من خلال العادات السيئة المتمثلة في إطلاق الرصاص والمفرقعات، وصولا إلى كل أجواء اللهو، اننا في هذه المناسبة، نعيد التأكيد على التعاون جميعا من أجل مواجهة هذا الأسلوب المتخلف في التعامل مع مناسبة نريدها أن تكون مناسبة تأمل وتفكير وتخطيط، والعمل لتكون هذه المناسبة هادئة بأجوائها، وفرصة للجلوس مع أنفسنا وبين يدي الله، لنسأله أن يجعلها سنة أمان ووحدة، يفرج فيها عن كل مهموم ومغموم ومحزون وأسير، ولا سيما المخطوفين اللبنانيين في سوريا، سنة قوة وعزة لأوطاننا في مواجهة التحديات التي تعصف بنا".
  

السابق
جميل السيد: فريق 8 آذار وحلفاؤه ليسوا مستعدين لتلبية أوهام 14 آذار
التالي
أحمد قبلان: لتحصين الداخل من محاولات الاختراق والاستدراج