أحمد بزون: لماذا نطالب المثقف بأخلاقيات ليست متوفرة فيه بالضرورة؟

أحمد بزون، رقم ثقافي صعب، بصفته أحد صانعي مشهدنا الثقافي الراهن بشقيه اللبناني والعربي. هنا حوار أجريناه مع هذه الشخصية المرموقة معرفياً، يعرّفنا إلى مرتكزات أساسية في جوانبها المتعددة والمختلفة، ويطلعنا على رأيها في دور المثقف عندنا، فيما يتعلق بأجواء "الربيع العربي"، ويتصدر كل ذلك، الإضاءة على ملامح من سيرتها الذاتية:
• ماذا عن الجو العائلي الذي وُلدت ونشأت فيه، ومَن مِن شخصياته كان لها التأثير الأكبر على شخصيّتك؟
ولدت في عائلة متديِّنة، وبدأت الصلاة والصوم في سن الخامسة، ورُبِّيت على مبادئ الأخلاق الدينية، في أسرة مؤلفة من والدي الذي كان يعمل بنَّاء، ووالدتي، إضافة إلى جدتي لأبي المطلّقة والتي كانت تعيش معنا، وعشرة أشقاء وشقيقات، ترتيبي هو الثالث بينهم. وعندما بدأت الكتابة، واتجهت نحو الشعر والرواية واللغة، تذكرت أن أبي كان يحتفظ بدفتر يحمل بعض أشعاره، فلقد احترق هذا الدفتر – للأسف – عندما أحرق جيش العدو الإسرائيلي منزلنا في البازورية في العام 1978. وإنني تأثّرت بوالدتي التي تتقن فن السرد مع أنها أمية. وقد كنا، طبعاً، نتمتع عندما تسرد لنا حادثة أو قصة، أو بعض أساطير وخُرافات القرى، خصوصاً حضور الأولياء والصالحين، وظهور الجنّ.. إلخ.
تذكرت ذلك، عندما أنجزت روايتي "جسد بلا غد"، وقد طعّمتها ببعض ما كنت أسمعه من أمي. أما جدتي لأبي، فهي التي علّمتني ضبط حركات القرآن الكريم الذي كانت تحفظ آياته غيباً. وقد اكتشفت – فيما بعد – أن والدها الشيخ أحمد سهيل هو من الفقهاء المعروفين في عصره. كذلك ضمن أجواء الأسرة كان يجتمع في منزلنا، في البازورية، الجيران مساء ليستعموا إلى قصص "ألف ليلة وليلة" و"الزير سالم" و"سيف بن ذي يزن"، وغيرها من الروايات والأدعية، وكنت أحد الذين يساهمون في قراءتها للحاضرين، وقد كان عمري حينها تسع سنوات. وأعتقد ان هذه القراءات التي ترسّخت في ذهني، منذ ذلك الوقت، قد شكلت خمائر مهمة لكتابتي الروائية.

العاشق بالجملة
• أين أمضيت مرحلتك التعليمية الأولى وما هي المراحل التعليمية التي قطعتها وما هي المرحلة الأخيرة منها؟ ونعلم أنك عملت مدرِّساً، فماذا عن هذا الأمر؟
تعلمت في مدرسة القرية (في البازورية) حتى مرحلة "الثالث متوسط"، ثم أكملت تعليمي في "ثانوية صور الرسمية" (في مدينة صور) حتى "الأول ثانوي"، ثم تعيّنت أستاذاً في العام 1971 في مدرسة البازورية، ثم تابعت الدراسة (دراستي) وحدي ومن دون مدرِّس أو مدرسة، فنلت شهادة الفلسفة، ثم تابعت دراستي الجامعية في بيروت، وأحمل شهادة ماجستير في اللغة العربية بدرجة (جيد جداً – متفوق) (وهذا هو اسمها حرفياً). وفي مجال التعليم كان تدريسي الأساسي في مادة العلوم في الصفوف المتوسطة، ثم أستاذ مختبر للمرحلة المتوسطة، ثم، بعد ذلك، انتقلت إلى بيروت ودرست اللغة العربية.
• ماذا تتذكر من أيام مراهقتك؟
أتذكر أنني كنت أحب إحدى عشرة فتاتاً دفعة واحدة، من دون أن ألمس، طبعاً، يد أية واحدة منهن.

"أحمد غسان"
• ماذا عن بداياتك في القراءة والكتابة، ومتى وكيف ولماذا احترفت الكتابة؟
بدأت كتابة الشعر (العامودي والحرّ) في السادسة عشرة من عمري، وتابعت ذلك، من دون أن احترف كتابة الشعر. ولقد تفتح جيلنا على قراءة محمود درويش ونزار قباني، على سبيل المثال، لا الحصر. أما احترافي الكتابة، فبدأ مع الصحافة في العام 1983، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حيث اضطررت إلى مغادرة القرية، والعيش بشكل دائم في بيروت. وقد كانت البداية في مجلة "بيروت المساء" حيث كنت أكتب باسمٍ مستعار وهو "أحمد غسان" وتعاونت مع مكاتب خدمات صحافية، ثم بعد ذلك، راسلت عدداً من الصحف العربية، منها جريدة "الوطن" الكويتية وجريدة "الفنون الكويتية" أيضاً ومجلة "العربي" الكويتية. ومجلة "الأفق" التي كانت تصدر من قبرص. وبدأ عملي في جريدة "السفير" في مطلع العام 1992.

ضرورة شمولية
• أنت روائي وناقد وشاعر وكاتب مقال، وصحافي، فما هي الكوامن التي وقفت وراء كل هذه الجوانب في شخصيتك الثقافية؟ ولماذا تهتم في كتابتك الصحافية بالنقد التشكيلي أكثر من سواه؟
أعتقد أن عملي في مجلة "بيروت المساء" في قسم ثقافي، كان مطلوباً منه أن يتابع كل شيء، من الأدب إلى السينما والمسرح والفن التشكيلي، وهذا ما اضطرني إلى الدخول إلى كل هذه المجالات وإن بشكل متفاوت. وفي دراستي الأكاديمية، كان تركيزي على مجالين: اللغة والنقد الأدبي الحديث. وعندما عملت في جريدة السفير، صودف أن استقال، وبعد أشهر قليلة من بداية عملي هذا، الزميل الناقد التشكيلي فيصل سلطان، من القسم الثقافي، حيث في هذا القسم كنت الوحيد من بين زملائي أملك تجربة، وإن متواضعة في الكتابة التشكيلية.

أنا، في كل ما أكتب
• ماذا تعني لك الكتابة الإبداعية عموماً والصحافية خصوصاً والفنون بشكل عام؟ وفي أي واحدة من كتاباتك الإبداعية والصحافية تجد نفسك أكثر؟ وكيف اجتهدت ليكون لك صوتك الخاص في كل منها على حدة؟
أعتقد أن الفنون والآداب تتلاقى كلها في مدارس واحدة. فمن يفهم "السريالية" في الأدب، مثلاً، يسهل عليه اكتشافها في الفن التشكيلي والمسرح والسينما والموسيقى،… وكذلك، أي نظرية أدبية وإبداعية يمكن أن تعمم على كل مناحي الحياة الثقافية. لذا وجدت نفسي أذهب إلى منبع الأفكار التي ينفذها الأدباء والفنانون. أعتقد أنني أجد نفسي في كل ما أكتب إن كان مقالة أو قصيدة أو نصاً روائياً أو حتى نصاً نقدياً. فأنا من الذين يحاولون الاجتهاد في كل مرة في الكتابة. وأعترف بأنني كنت أضطر لقراءة أكثر من كتاب – أحياناً – حتى أستطيع كتابة مقالة واحدة. وأذكر، مرة، أنه كان مطلوباً مني، وأثناء عملي في مجلة "بيروت المساء"، أن أكتب مقالة عن غسان كنفاني، ما استوجب، مني قراءة كل رواياته وقصصه، بالإضافة إلى قراءتي ثلاثة كُتب عن الأدب الفلسطيني، كل ذلك، كان، من أجل كتابتي صفحتين، فقط، في المجلة.

الشهيد حسن بزون
• شائع في وسطنا الثقافي اللبناني، أنك في بداياتك الكتابية الاحترافية، الصحافية خصوصاً، تأثرت بشقيقك الشهيد حسن بزون، فماذا عن هذا الأمر؟ وحبّذا، لو تحدثنا، ولو قليلاً، عما كانه حسن بزون على الصعيد الثقافي؟
الشهيد حسن، كان له تأثير مهم في ثقافتي أولاً، ثم، ثانياً في بداياتي الصحافية، فالكُتب التي كانت موجودة في مكتبة بيتنا، هو الذي كان يشتريها. ثم إنه كان متخصصاً في الفلسفة، وله كتابان هما: "القرمطية بين الدين والثورة" و"نظرية التعليم عند الغزالي". وقد كنت أستفيد كثيراً جداً من النقاش معه، ليس في أمور الفلسفة فحسب، إنما أيضاً، كان من المهتمين بالأدب شعراً ورواية. وفي المجال الصحافي هو الذي طرح عليّ أن أكتب في "بيروت المساء" ولقد كان قاسياً في حكمه على ما أكتب حينها، أذكر أنه رمى لي أحد المقالات، وكان رئيس تحرير المجلة، حينها، قائلاً لي: أعد كتابة هذا المقال، لأنك تكتب أفضل.

مقالات "جثث"
• كمسؤول وعامل في الصحافة الثقافية، في جريدة يومية، وكناشط ثقافي، ما هي نظرتك التقييمية إلى الصحافة الثقافية اللبنانية خصوصاً والعربية عموماً في الوقت الحالي؟
تتفاوت مستويات الصفحات الثقافية في الصحف اللبنانية والعربية، فبعضها – للأسف – تشعر أنه ينشر "جثث" مقالات؛ في حين يجتهد البعض الآخر، ليكون مواكباً للحركة الثقافية بكل تجلياتها.

وهم مزدوج
• ثورات "الربيع العربي" ضد استبداد الأنظمة العربية، ألقت الحجة الدامغة على المثقفين العرب، الذين كان من المفترض بهم – بداهة – كنخبويين – أن يكونون هم بالذات، صانعي هذه الثورات؛ بينما وجدناهم التحاقيين، بدرجة وبأخرى، وحسب مواقعهم ومستوياتهم، بالشارع الثائر، بدلاً من أن يقودوا تحركاته الثوروية، فما هو رأيك في هذا الأمر؟
لا يزال هناك من يعتقد أن الفلاسفة، لا يزالون يديرون دفّة الحُكم؛ بل إن البعض الآخر، لا يزال عند وهم أهمية المثقف في المجتمع – ليس العربي فقط – وإنما العالمي، ظناً منهم، بأن السلطات تأخذ بأفكارهم ونصائحهم ونظرياتهم؛ علماً، بأننا صُرنا في عصر مختلف تماماً، عن عصور سبقت. فالذي يدير العالم اليوم الاقتصاد والتكنولوجيا. ومنهما تنبع النظريات التي تحدد السلطة لمن؟ وفي موضوع "الربيع العربي"، أيضاً، هناك وهم بأنه من المفترض على المثقف أن يكون ضد السلطة، على اعتبار أن المثقف يهدف، دائماً، إلى التغيير وإلى التقدّم، إذا لم يكن أكثر من ذلك، أعني الثورة التي تطيح الأنظمة. فلماذا نطالب المثقف بأخلاقيات ليست متوفرة فيه، بالضرورة؟ فليس للثقافة أخلاق، ثم إنه ليس للعبقرية أخلاق. فأين، مثلاً، أخلاق من اخترع القنبلة الذرية؟ لذا، من الطبيعي أن نجد مثقفين يساندون الثورات؛ وآخرين يقفون ضدها. هذا هو المشهد الثقافي المنقسم مثل الشارع تماماً.
  

السابق
شهيّب: ليت مجلس الوزراء يتخذ الإجراءات التي تحد من مخاطر عنصرية بعض الوزراء
التالي
الفنان علي دهيني: حُلُمي ابتكار قرية تراثية من أعمالي الحِرفيّة