علي فضل الله: لقانون انتخاب عصري يؤمن التمثيل الصحيح

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، هذه التقوى التي لا بد من أن نشهد نتائجها في الدنيا، فالله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
وفي الآخرة، يشير الله إلى موقع المتقين، {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم}[محمد:15.
ومن التقوى أن نخفض أصواتنا، فالله سبحانه، كما أورد الحديث، يحب الصوت المنخفض ويبغض الصوت المرتفع، "خفض الصوت وغض البصر ومشي القصد من إمارة الإيمان وحسن التدين.وقد قال سبحانه {واغضض من صوتك}، وشبه الصوت العالي بأبشع صورة عندما قال: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}[لقمان: 19].لذا، فليكن مبدأنا غض الصوت عندما نتكلم، وخفض صوت المذياع أو المسجل والراديو والتلفاز عندما نستمع أو نشاهد، وكذلك يكون التعامل عندما نطلق بوق السيارة أو حتى عندما نرفع صوت الأذان أو القرآن أو الدعاء أو مجالس العزاء، من المآذن أو الحسينيات، فللصوت طبقات ولآلات الصوت طبقات، ونحن نرفع الصوت عندما تكون هناك حاجة إليه من دون أن يؤذي.

إننا نعاني من الضجيج؛ الضجيج في المنزل وفي الشارع وفي مواقعنا، نعاني من هذا الصوت الذي يزعج، الصوت الذي يوتر، الذي يؤذي… إن من حق الآخرين علينا ألا نسيء إلى آذانهم وإلى أعصابهم، وألا نقلق راحتهم، مثلما لا نريد للآخرين أن يؤذونا، أن يقلقوا راحتنا وأن يوتروا أعصابنا، لنبعث الهدوء في واقعنا ونبعد التوترات التي تحيط بنا. فالهدوء عندما يحصل سيجعلنا نفكر ونتأمل ونعي، الهدوء يساهم في صفاء نفوسنا وقلوبنا، يكفينا كل توترات الخارج وما أكثرها".

وتحدث عن الوضع في فلسطين المحتلة، فقال:" نبدأ من فلسطين، حيث لا يزال العدو الصهيوني يتابع توسيع سياسته الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، إضافة إلى عمليات القتل والاعتقال المتواصلة للكوادر الفلسطينية وعمليات التعذيب الجسدي والنفسي للمعتقلين، الذين وصلت بهم المعاناة إلى حد الإضراب عن الطعام، فضلا عن تدنيس هذا العدو المساجد والأديرة، من دون أن يقيم وزنا للقرارات الدولية، أو يأبه برأي عام عربي وإسلامي".

اضاف:"إن كل هذا الواقع يستدعي عملا في الداخل الفلسطيني، لتوحيد الجهود من أجل مواجهته بكل الوسائل الممكنة، بالبندقية والحجر والعمل السياسي والإعلامي، وخصوصا بعدما أكدت التجربة للمرة الألف، أن المفاوضات مع العدو الصهيوني لن تعيد حقا، بل تمنح العدو الفرص لتوسيع عدوانه وتثبيت كيانه. ومن هنا، فنحن إذ نحيي كل الدعوات التي انطلقت أخيرا، لإزالة الانقسام الحاصل في الداخل الفلسطيني، ندعو إلى إيجاد الآليات التي تضمن حصول ذلك بالسرعة الممكنة، كي لا تضيع فلسطين وسط انقسام الداخل، والانقسامات في الخارج. إن المرحلة تحتاج إلى إطلاق انتفاضة فلسطينية تحت راية المصالحة والوحدة، توقف مسلسل قضم الاستيطان للمزيد من الأراضي، وتفرض أمرا واقعا على العدو الصهيوني وكل الذين يقفون معه وخلفه".

وتابع :أما مصر، فلا تزال التجاذبات السياسية والتجاذبات الميدانية في الشارع تهدد ليس مكتسبات الثورة فقط، بل هي تهدد أيضا بفوضى نخشى أن تغرق مصر فيها. إننا نرى أن الطريق الأسلم هو العودة إلى الصناديق، للخروج بدستور يؤكد إسلامية مصر وعروبتها وحفظ تنوعها، ويساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار، بدلا من لغة الشارع والشارع المضاد، أو لغة العنف التي لن تنتج سوى المزيد من المعاناة لهذا الشعب، وإضعافا لدور مصر وحضورها. إننا على ثقة بأن مصر التي قدمت أنموذجا في سلمية الثورة، قادرة على أن تقدم نموذجا رائدا في القدرة على حل الخلافات بالحوار والتواصل والعمل المشترك، لوصول مصر إلى شاطىء الأمان".

وعن الوضع السوري، قال:"في سوريا، تتواصل أعمال القتل التي تبقي هذا البلد في حالة من الاستنزاف المستمر الذي يفقده كل عناصر القوة التي بناها طوال السنوات السابقة. ومن هنا، فإننا نعيد التأكيد على كل الحريصين على هذا البلد، ضرورة دراسة سبل إيقاف هذا النزيف، لإعادة سوريا إلى حضن الاستقرار، لا تزويدها بما يؤدي إلى تعميق هذا الجرح النازف، وإدخالها في صراع غير معروف الحدود ولا المدى الزمني.إننا وكما نخشى على سوريا من أن تكون ساحة للصراعات الدولية والأقليمية التي تفقد قوتها، فإننا نخشى أيضا من أن تكون ساحة التوافقات الدولية التي تريد لسوريا أن تخرج من جلدها في مواجهة الصهيونية والاستكبار، من دون أن يحصل الشعب السوري على آماله وطموحاته المشروعة.إننا ندعو الشعب السوري، بكل مكوناته، إلى أن يكون واعيا، ليحافظ على حريته الحقيقية، فهي أغلى ما عنده".

وعن البحرين، قال:" اما في البحرين التي لا تزال اللغة فيها هي لغة القمع والاعتقالات، بدلا من لغة الحوار الجاد والوصول إلى حلول جذرية للمسائل العالقة، فإننا نطالب الدولة في البحرين ببناء آليات الحوار، وهو السبيل الوحيد لإخراج البحرين مما تعانيه، وليعود هذا البلد إلى لعب دوره في العالم العربي والإسلامي".

وعن لبنان قال:"نصل إلى لبنان، الذي نأمل أن يكون قد تجاوز الجرح الذي نزف في طرابلس، وأن تكون هذه الصفحة قد طويت فلا يبقى جرحها مفتوحا ينزف كل ما دعت الحاجة إليه للتنفيس عن التوتر الطائفي والمذهبي، أو لتبادل الرسائل الداخلية أو الأقليمية. ومن هنا، إننا إذ نقدر الدور الذي قام به الجيش اللبناني لإيقاف هذا النزيف، ندعو إلى تأمين الدعم له ليؤدي دوره المطلوب في حماية كل المواطنين، كما ندعو كل الجهات السياسية إلى التلاقي لدراسة كل السبل التي تمنع عودة التفجير إلى العاصمة الثانية، ورفع الغطاء السياسي والأمني عن كل الذين يخلون بأمن المدينة واستقرارها".

وقال:"في الوقت نفسه، فإننا نؤكد على كل الأفرقاء السياسيين، الخروج من الجمود في الواقع السياسي والمقاطعة، للوصول بالبلد إلى قانون انتخاب عصري يؤمن التمثيل الصحيح ويساعد في عملية التغيير المنشودة التي يدعو إليها كل الفرقاء ويعملون لها، ونطالب بأن تعمل الحكومة بجدية لحماية الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، كما الأمني، وإيجاد حل للملفات العالقة، ولا سيما تلك التي تخص الطبقات المحرومة، وتستجيب لمطالب العمال والموظفين والأساتذة، بدلا من سياسة التسويف والمماطلة".

وختم بالتأكيد على الدولة أن تتحمل مسؤولياتها في العمل لإطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين في سوريا، فإننا نخشى من أن يتحولوا إلى مجرد رسائل سياسية بين هذا الفريق أو ذاك، في الوقت الذي لا علاقة لهم بكل ما يجري داخل سوريا وخارجها، كما أنه على الذين يتحركون لحل هذه الأزمة، أن يبذلوا كل الجهود في سبيل إعادة هؤلاء إلى أهلهم حيث ينتظرهم أطفالهم وأمهاتهم ونساؤهم، لا أن يكونوا سعاة بريد لمطالب الخاطفين".
  

السابق
قبلان: لبنان في خطر ولا يجوز الاستمرار في المشاحنات والمناكفات
التالي
طورسركيسيان: شهية القتلة ستفتح لحجب الداتا وعلى الحكومة تحمل المسؤولية