استثنائية المرحلة.. تنتج تسويات وافتراضات وتمديداً

استطاع نجيب ميقاتي بحنكة سياسة النأي بالنفس الملوّنة بانصياعه لاهواء الشارع السني، ان ينفذ بريشه حتى الان. لكن سرعان ما قدّر للعارفين ان يتأكدوا من «المؤكد». المسألة لا تقف عند حدود «زكزكة» ميقاتي واحراجه لاخراجه. وكل ما يجري اليوم، ان في طرابلس، او على الحدود الشمالية والشرقية مع سوريا، او عبر بؤر التوتر المتنقلة بين المناطق يدلّل على خطورة المخطط الذي يرمي الى مزيد من توريط الداخل اللبناني بالوحول السورية، وصولا ربما الى حدّ السقوط في الفخ القاتل.
في كل ما يجري ثمة افتراضات وايضا مجموعة ثوابت. في الافتراضات، المروحة واسعة. حكومة جديدة «ربما» قبل الانتخابات. تأجيل «محتمل» للاستحقاق النيابي. «قانون الستين» قد يكون الاوفر حظا.. والارجح ان الازمة بين الاكثرية والمعارضة قد تطول، اما الثوابت فقليلة، وعلى رأسها الاستقرار الامني.
هي مفارقة فرض «السيطرة على الارض» وسط الزلزال السوري الهائل. معادلة تمكّن الجيش من تعميمها طوال اشهر الازمة في دمشق برغم الاهتزازات الامنية المتكرّرة. وبقدر ما كان القرار السياسي مرتبكا في الاحاطة بكل «افرازات» البركان المجاور للساحة اللبنانية، بقدر ما تركت اليرزة لنفسها هامش التحرك على قاعدة «الامن اولا»، بالحكمة وليس بالانفعالات او التراضي.
البراغماتيون يحاولون رسم صورة «تقريبية» للساحة المضطربة. في العام 2005 رحل الـ«مايسترو» السوري. بعدها قدّر للبنانيين ان يديروا خلافاتهم من دون مرجعية حصرية تكبس، وفق ارادتها وبمزاجها، على «الروموت كونترول». لكن الوقائع المتراكمة، سياسيا وأمنيا، فرضت لاحقا ان يكون الجيش مايسترو المرحلة وصولا لأن يأخذ بصدره كل حمم البركان السوري.
لكن ليس الحق كله على سوريا. فغالبا ما كان الجيش يرفع الصوت بوجه جولات التشنج السياسي التي كانت تنعكس توترا مباشرا على الارض. المعادلة بسيطة «كلما عزّزت لغة الاتصالات السياسية كلما خفّ منسوب التوتر في الشارع». خروج «المارد» من القمقم ان كان في طرابلس او صيدا او بيروت، كان يدفع القيادة في اليرزة باتجاه التاكيد على اهمية تطويق بقعة زيت «الفتنة» من فوق اولا بالتوازي مع المعالجة على الارض.
في مطلق الاحوال، يحكم «الستاتيكو» الساحة اللبنانية طالما لغة الدم والنار هي السائدة في سوريا. ويجرّ هذا الواقع الى الطلب المتزايد على «بضاعة» التسويات المفترض ان تسيّر مرحلة الوقت الضائع الى ان يأتي اوان الحسم في سوريا.
فلا تولد حكومة جديدة الا بتسوية، ولا تجري الانتخابات الا بتسوية، ولا ينفّس بالون الاحتقان، الاخذ بالانتفاخ بعد اغتيال اللواء وسام الحسن، بين محوريّ الصراع الا بتسوية. لكن التسوية الاهم هي تلك التي ستحكم المشهد الامني.
هي مرحلة استثنائية بكافة المعايير تفرض اللجوء الى اجراءات استثنائية، يدخل من ضمنها التمديد المحتمل لقائد الجيش جان قهوجي طالما ان الهاجس هو «الامن اولا»، في موازاة التحسّب لاحتمال الفراغ. مع ذلك، ثمة «ظواهر غريبة» ترافق هذا الاستحقاق المرتقب، بما يستدرج تشويشا على الغاية الاساسية من هذا التمديد الذي يرتبط بشكل اساس بمتطلبات «الاستقرار الامني» في مرحلة تعتبر الاكثر خطورة على الداخل اللبناني منذ العام 2005.
العارفون يؤكدون ان قائد الجيش لا يسعى للتمديد ولا يعمل له. تربطه بكافة القوى السياسية علاقات لا تستثمر سوى في مجال الدفع باتجاه التشجيع على ان تلعب هذه القوى الدور المطلوب منها لتهدئة الشارع ومنع الاحتقان. وسبق لـ «جنرال اليرزة» ان خاطب المسؤولين اكثر من مرة مباشرة، وعبر الاعلام في بيانات صادرة عنه، لكي يقوموا بواجباتهم في هذا المجال.
يقول العارفون «في 28 آب من العام 2008 تمّ تعيين قهوجي قائدا للجيش وهو يعمل ويتصرّف على اساس ان مهمته تنتهي في ايلول المقبل تاريخ احالته الى التقاعد». ولا تضع اليرزة، في هذا الاطار، التحليلات التي ترافق كل لقاء يجمع قهوجي مع اي سياسي بانه «انتاج للتمديد»، سوى في خانة تشويش على القيادة لغايات سياسية بهدف التشهير.
وفي هذا الاطار، تفيد معلومات بان قائد الجيش لم يقمّ مؤخرا، لا بزيارة النائب وليد جنبلاط، الذي تربطه به علاقة جيدة، ولا بزيارة أية شخصية سياسية تحت عنوان مسألة التمديد.
وفيما يحرص البعض على تكبير حجر التأثير الجنبلاطي في موضوع التمديد لقائد الجيش، فان المعلومات تفيد بان القرار متخذ على مستوى رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي، خصوصا ان احالة قهوجي على التقاعد تأتي قبل نحو عام من انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.  

السابق
الحياة: هدوء حذر في طرابلس والجميل يؤيد لقاء برلمانياً رغم المخاطر الأمنية
التالي
حزب الله بعد ان يخسر سوريا