تفاهم الحد الأدنى لإنقــاذ لبــنان

واصل «الحزب التقدمي الاشتراكي» جولته على القيادات السياسية حاملاً إليها رسالة رئيسه وليد جنبلاط الداعية إلى «شراكة وطنية لإنقاذ لبنان» من الأزمة التي يتخبط فيها والتي تهدد استقراره وسلمه الأهلي، من خلال النذر الفتنوية التي تلوح في الأفق، وفي ظل المخاوف المتزايدة من تداعيات الأحداث السورية على السلم الأهلي في البلاد.
إلا إن الترتيب الذي وُضع لبرنامج اللقاءات أوحى كأن ثمة أولوية لحوار درزي ـ مسيحي، بل درزي ـ ماروني من خلال الزيارات المتوالية الثلاث لكل من العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل والدكتور سمير جعجع، مع ان بين جنبلاط والموارنة «ما صنعه الحداد»، رغم «المصالحة التاريخية» بين البطريرك الماروني السابق الكاردينال نصر الله بطرس صفير والنائب وليد جنبلاط، خلال الزيارة التي قام بها صفير للمختارة عام 2001. إلا إنه بدا ان الصفحة الجديدة في العلاقات بين الطرفين لم تُفتح كلياً نظراً إلى أن صفحة التهجير المسيحي من الجبل لم تُطوَ بعد.
ورغم تبدل النظام السياسي الذي خضع له الجبل، بين العزل في ظل حكم القائمقاميتين، إلى محاولة إيجاد أرضية للتعاون في إطار من المساواة في الإدارة بين المكونات الرئيسية لجبل لبنان، في ظل المتصرفية، فإن هذه التجربة لم تعط الوقت الكافي للاختبار، وخصوصاً التكيّف مع الحياة المشتركة الذي يرى علماء السياسة والاجتماع ضرورته من أجل الانتقال من التمايز والخصوصية، إلى التجانس والانسجام وإقامة تقاليد وعادات مشتركة من شأنها تظهير الهوية الواضحة للمشاركين في هذه التجربة، والتي من شأنها ان تنقلهم إلى رحاب الدولة، والولاء لها وللوطن.
ويرى أصحاب نظرية الملاءمة والتكيف ان مثل هذه التجربة تحتاج إلى هدوء واستقرار وسلام في الداخل والمحيط، بحيث تكون هناك إمكانات للتعامل والتعاون والتفاعل بين مختلف المكونات، الأمر الذي لم يتحقق في لبنان. إذ ان البلد الذي نال استقلاله في العام 1943، كان شاهداً على المؤامرة التي كانت تحضر لفلسطين. وما ان مرت أعوام قليلة على استقلاله حتى انفجرت حرب فلسطين، وقامت دولة الاغتصاب إسرائيل على حدوده الجنوبية، ومذ ذاك ولبنان لم يهدأ.
والواقع أن ما حمله الوفد «الاشتراكي» إلى الفريق المسيحي من مبادرة أُريد منها الوصول إلى تفاهم وطني على الحد الأدنى من أجل ضمان الاستقرار، وتحصين لبنان حيال تداعيات الأحداث السورية عليه، ولنا في مقتلة تلكلخ أبلغ نذير، يحتاج إلى الكثير من الشجاعة والارتفاع فوق العداوات والخصومات، وأنهر الدم ومشاهد الدمار. فالمبادرة مثال يُحتذى، إذ هي ترسم الخطوط الرئيسية للحوار الوطني الموسّع الذي ينبغي أن تلتقي في إطاره الشعوب اللبنانية بكل أطيافها، سواء من أجل مراجعة الصيغة، وهي «رسالة» لا تزال افتراضية، أو من أجل تجديد الميثاق الوطني، في ضوء الواقع اللبناني الحقيقي الذي ينظر إلى لبنان كلاعب في الصراع مع إسرائيل، وكقوة إقليمية لا مجال لإنكارها، بديلاً عن الصورة «البديلة» للبنان والتي يطرحها بعض الأطراف، سواء كبلد صالح لأن تنطبق عليه شروط الحياد «الإيجابي»! الوهمي، أو النظر إلى المقاومة على أساس انها فصيل مسلح شبيه بفرق الصيد، يمكن حله وإلحاقه بأي جيش، كأن المقاومة سلاح فحسب، وليست إيماناً ودوساً للموت وإعلاء للحياة التي هي وقفة عز.
ان مبادرة جنبلاط لفرصة تاريخية، ودعوة إلى الواقعية السياسية والعمل من أجل استمرار التواصل بين اللبنانيين، وتوفير الحد الأدنى من الاستقرار في انتظار انقشاع الغمامة السورية السوداء، واتضاح موازين القوى الإقليمية والدولية الجديدة التي يعتبر لبنان في صلبها بفضل مقاومته وتضحيات شهدائه.

السابق
“مركز نبيل بدران” في صور يأمل إنقاذه
التالي
في حضرة المقاوم إميل لحود