شهداء… وجهاديّون

حساباتنا جارية على وقع التطورات الخارجية، والبعض يصحح فيقول على وقع: "الإيحاءات الخارجية"، تنازلنا عن كلّ شيء، او كأننا لا نملك شيئا لنتنازل عنه. الحوار بدأ بوَحي خارجي، وتعطّل بوَحي خارجيّ. التغيير الحكومي على مائدة التداول، لكن بدفتر شروط خارجي معقّد، كلّ يفسّره وفق ميوله وأهوائه، فيما خطر الانزلاق نحو الفوضى يتعاظم يوما بعد يوم.

التدخّل في الشأن السوري بات مفضوحا، هذا يدفن "جهاديّين"، وذاك ينعي "شهداء"، وعلى وقع ما يجري في الجوار السوري تتعاظم فوضى السلاح في الداخل، سلاح للثأر، والقتل، والنهب، والشغب، والهدف واحد أن يثبت "شرعيته"، ومن رصيد السلاح الشرعي.

يمرّ الوطن بمطبّ خطير نتيجة الصراع الإقليمي – الدولي المحتدم حول اولويات المنطقة، وقد أصاب عمود الوطن الفقري بعطب كبير، فإذا هو مشلول الإرادة، وعلى رغم ذلك هناك في الغرب من لا يزال يصدّق أنّ اللبنانيين قادرون على السير ببلدهم وسط هذه الأعاصير بأقل الخسائر عن طريق قراءة التطورات التي تحاصرهم بعمق وجديّة، والتصرف في ضوء ما يفهمون الأمور بأبعادها، وتعقيداتها الإقليميّة والدوليّة، وانتهاج خارطة طريق فيها الكثير من التواضع، والمسؤولية الهادفة الى المعالجة وفق سياسة الفن الممكن، لأن الأزمة لم تعد سياسيّة، بقدر ما هي اقتصاديّة، ومعيشيّة، وأيضا بقدر ما هي استباحيّة بقوة السلاح اللاشرعي، وهناك نماذج.

هناك سلاح يُملي عليك أجندة دفاعيّة – هجوميّة باسم المقاومة، ومقاومة تقرر خيار الحرب والسلم من منطلق انها بنت المناطق المكشوفة أمام الاعتداءات الإسرائيليّة، وتهدد بالسلاح الصاروخي من كريات شمونة الى إيلات، وسلاح صاروخي فخر الصناعة الإيرانيّة، فالمصنع هناك، وحقل التجارب هنا او في غزّة، والقرار عند الذي يضغط على الزناد… ومع كلّ هذا، وبعد كلّ هذا، يعود الحديث عند كلّ مأزق، عن الحاجة الى الشرعيّة، والمؤسسات الضامنة والفاعلة (ضامنة ماذا؟ ومن؟ وكيف؟!)، وايضا عن الحوار والدولة، وماذا بقي من رصيد لهذه الدولة ومن اعتبار؟

وماذا بقي من موضوعات جديرة بالحوار طالما انّ السلاح قد رسم لنفسه "استراتيجيته الدفاعيّة"، شاءت الدولة ذلك ام لم تشأ، وقبل اللبنانيون بهذه الوضعيّة أم لم يقبلوا، و"تبليط البحر" في هكذا حال، قد يكون من بين المهن الممكنة في زمن العهر والانحراف.

في المقابل ينبري سلاح لا شرعي آخر يرسم شارات النصر في الهواء، يتحدّى سلاح "حزب الله"، ويذهب الى سوريا "لينصر أخاه ظالما كان أم مظلوما"، همّه أن يغمَّس في الصحن السوري أيّاً تكن النتائج، غير عابىء بالوسطيّة، وبالحكومة، وبالذين ينادون بـ"النأي بالنفس".

ليس عند حملة السلاح شيء اسمه النأي، هناك توّرط بكل ما ترمز اليه الكلمة من معنى، وكما إيران تتواجد في الجنوب من خلال صواريخها، هناك سوريا الثورة في الشمال تتباهى بأصولييها وسلفييها… وكما تراني أراك يا جميل؟.

ويذهب وفد من قوى 14 آذار الى قطاع غزّة للتضامن، فيكفهر وجه السفيرة مورا كونيللي بإمارات الغضب. غريبة هي الفوضى التي تجتاح التحالفات ومعها الحسابات، في غزّة نبارك للسلاح الإيراني الذي ساهم في فرض الهدنة التي سَعت اليها إسرائيل، في الجنوب ننتقد السلاح الإيراني كونه يحتلّ مكان الدولة والشرعيّة.

التوجّه الى غزّة لا يتطلب تأشيرة اميركيّة، فيما التوجه الى الجنوب يحتاج الى أكثر من تأشيرة، يحتاج الى تنسيق، واسئلة واجوبة، وحَل أحجيات وكلمات متقاطعة صعبة ومعقّدة. وذهبنا الى رام الله ببرقياتنا واتصالاتنا مهنئين الرئيس محمود عباس بعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، ونسينا او تناسينا سؤاله عن جديد حق العودة، وهل من عودة او توطين؟.

على طريق تلكلخ سالت دماء، وسالت معها أنهار من الأسئلة، لا احد يتحدث اليوم عن سياسة النأي بالنفس، أساساً الموضوع لم يفتح، ولم يتوَلّ احد التعاطي مع الدماء النازفة من هذا المنطلق، "حيط الدولة واطي"، فلماذا الإحراج؟ وما الفائدة من فتح الأبواب المغلقة إذا كنّا عاجزين عن ملء الفراغ، او عن السماح للهواء النظيف بالدخول.

بالطبع إن الجرح ساخن والدماء لم تجف بعد، ولكن لا بدّ من سؤال: إذا كانت النقمة على سلاح الجنوب بأنه يصادر دور الدولة، ويحتكر قرار الحرب والسلم؟ فماذا عن السلاح اللاشرعي في الشمال؟ وعن التورط في الاقتتال السوري؟! هل كلّ هذا يصبّ في تمتين الوحدة، وتعزيز دور الشرعيّة والمؤسسات؟ هل كلّ هذا لمصلحة الدولة والوطن، او على حسابهما؟.  

السابق
منصور طلب من السفير السوري تسليم جثامين لبنانيين قضوا في تل كلخ
التالي
مليون و330 ألف $ لمن يتزوجها!