في رحاب القصر الجمهوري

كانت المرة الأولى التي أزور فيها القصر الجمهوري في «العهد الجديد»، مع وفد من تجمع جمعيات المجتمع المدني، منضوين ضمن إطار «حركة الولاء للوطن» التي تطمح أن تصبح، في القريب، تجمعاً يضم معظم الجميعات والهيئات والمنظمات الأهلية غير الحكومية، على قاعدة واحدة، هي قاعدة «الولاء للوطن»، لا لغيره.
الحاجز الأول، استقبلنا بكل ترحاب، وسألنا عن أسمائنا، مقارناً أياها بلائحة يحملها، ولما «تطابقت» الأسماء مع اللوائح، أنجز العناصر تفتيش السيارة، وانصرفنا إلى الداخل، حيث جلسنا في قاعة منتظرين وصول فخامة الرئيس، مع وجود عنصر «بروتوكول» لازم وجودنا وقوفاً، ليصرخ عند فتح الباب ووصول الرئيس: «فخامة الرئيس».
لطيف هو الرئيس سليمان، صافحنا واحداً واحد، بابتسامة صغيرة، وجلسنا، إفتتحت الأميرة حياة أرسلان الكلام، عن معنى حركة الولاء للوطن، ومغزاها، شاكرة باسم الوفد، للرئيس سليمان استقباله، وتمثله في نشاط الحركة، وطاولة الحوار للمجتمع المدني. ليتكلم بعدها الوزير طبارة، مسلماً صاحب الفخامة نص بيان طاولة حوار المجتمع المدني، التي حملت عنوان «كفى»…
فخامته رد برفق، في موقف داعم، فتكلم عما يجب على المجتمع المدني، برأيه، أن يعتنقه من مبادئ، وما يمارسه من أفعال، داعماً، إنطلاقاً من توجهه الوسطي، وموقعه القائم على التقاطعات السياسية بين الأطراف المتخاصمين.داعياً إلى تكثيف الجهود من أجل تحسين الأداء. وكان لافتاً من فخامته تشديده على ضرورة إجراء الإنتخابات في موعدها، إذ «لا مجال لأي تأجيل للانتخابات النيابية»، فتداول السلطة هو المدماك الأول لممارسة الديموقراطية، خصوصاً وأن الجميع ينحو إلى الإنتخابات كنتيجة للحراك الشعبي، والمظاهرات، وربما الإضطرابات، فكيف نكون نحن بعكس ذلك، ولا نجري الإنتخابات.
وأضاف، أن «عصر العولمة وتطور تقنيات الاتصال والمعلومات وانفتاح العالم على بعضه، يجعل من الصعب بل من المستحيل في المدى المقبل أن يكون هناك مكان للتعصب والتطرف»، معتبراً أن «التحول نحو الديموقراطية الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط سيكون حافزاً للبنان لتحسين أدائه الديموقراطي وتنقية سياسته» ذاكراً أن «أبرز خطوات بلوغ هذه المرحلة هو قانون انتخاب عصري وشامل التمثيل».
بالفعل، وما لفتني معرفة الرئيس الدقيقة بإشكاليات المجتمع المدني، والتحديات التي يواجهها، إن على مستوى المصطلح وتعريفه، أو على مستوى الممارسة السياسية، وكان من الممتع، بل من اللذيذ التواصل معه لمدة الثمانية عشر دقيقة، التي، وقبل نهايتها بحوالى خمس دقائق، دخل «البروتوكول» ووقف إلى الباب، كدليل لصاحب الفخامة وللموجودين إلى «قرب نهاية وقت الزيارة»، فجدول مواعيد الرئاسة الأولى، كالعادة، مزدحم جداً، ولا يحتمل أي تأخير لأي دقيقة، إذ في القصر الرئاسي، الدقائق معدوة باللحظات، وأي تأخر في أي موعد، سيؤدي إلى تأخر في جميع المواعيد اللاحقة.
في السياق، دعا فخامته هيئات المجتمع المدني إلى «تكثيف نشاطها في اتجاه الانفتاح والاعتدال وتكريس التنوع والتعددية التي تشكل ميزة لبنان وتقدمه نموذجاً صالحاً لعالم الغد»، وقد جرى بين الحاضرين وبينه نقاش، تمحور حول قانون الإنتخاب في جانب منه، وحول رؤية الرئيس لحل «القضية اللبنانية، التي بنى هو أطروحته فيها على محاور ثلاث، أبرزها «لبننة الحل» بالمعنى الفكري وليس السياسي، وبلا ما يحمله هذا المصطلح من رمزية غير لطيفة، فالقصد إعادة الحل إلى الطابع اللبناني، واللون اللبناني، بعدم الإصغاء إلى ما لا يناسب المصلحة الوطنية، ومن ثم، دعم المؤسسات الأمنية، والعسكرية، والمحافظة على الإستقرار وسلامة المواطنين.
الوفد سلم الرئيس وثيقة كفى، التي تتضمن دعوة بالفم الملآن لجميع القادة السياسيين، باسم مئات الآلاف من اللبنانيين الصابرين، الصامدين، بـ «كل لهجات المناطق» أن يدركوا بان الشعب ضاق بهم، وبتصرفاتهم. و«أن الشعب اللبناني، بجميع أطيافه، كان مستهدفاً في التفجير الذي استهدف اللواء وسام الحسن وأدى الى سقوط أبرياء من المواطنين، وبالتالي فهو جريمة إرهابية بحق الوطن كله. فينبغي أن يكون مناسبة لتوحيد كلمة اللبنانيين ورص صفوفهم ليكونوا صفاً واحداً…
وطالب البيان «باسم اللبنانيين المستقلين عن فريقي النزاع المتمسكين بوحدة الوطن والحريصين على سلمه الأهلي واستقراره، بالتكاتف والتآزر، وبتجديد الإيمان، أن ما يجمع بين اللبنانيين أكثر وأشد وأعمق مما يمكن ان يكون بينهم من خلافات»، وبالتالي، فالحاجة مستمرة إلى مد الجسور، لا إلى التركيز على أسباب الفرقة والتباين.
الصورة التذكارية التي جمعتنا بفخامة الرئيس، كانت مميزة، وتكتسب مشروعيتها من واقع حقيقي، وصدق عالي المستوى، ففعلاً المجتمع المدني يدعم فخامة الرئيس، وفعلاً، على حسب طاقته، وما تسمح به اللعبة السياسية، يدعم الرئيس المجتمع المدني، لأنه، وفي ظل إعادة النظر بالصلاحيات الرئاسية في الطائف، فإن مشروعية الرئيس، أي رئيس، تأتي من إحتضان الشعب له، وأعتقد أنه منذ الحقبة الشهابية، لم يسبق لأحد من الرؤساء المتعاقبين أن نال ما ناله فخامة ميشال سليمان من الإحترام والتقدير، مذ كان في قيادة الجيش، إلى الولاية التي يصر على رفض تمديدها، في نبالة عز نظيرها، وكأن «الكرسي اللاصق» لا يوجد في بعـبدا.
إن دور فخامة الرئيس السياسي لن ينتهي عند انتهاء الولاية السياسية في بعبدا، فبرأيي المتواضع، ستكون تلك البداية، لتأسيس واقع سياسي معتدل، يوصل ممثلين إلى مجلس نواب الأمة، خارج إطار «التمثيل على الأمة». وخارج الطروحات التي ترمي إلى الإلغاء لأن لا أحد يستطيع أن ينتصر على الآخر في لبنان. هكذا يعلم التاريخ…

السابق
بلاد تطوف بنفايات أهلها
التالي
قرصنة فايس بوك أمل عرفة