لماذا توحيد المعارضة السورية الآن؟


المعارضة السورية مشرذمة. هي كذلك مذّ وُلدت. محاولات عدة جرت لتوحيدها. دول وقيادات عربية وغير عربية جرّبت لكن دونما طائل.
اليوم تحاول الولايات المتحدة تحقيق الغاية المرتجاة في مقاربة مغايرة. ذلك ان التوحيد وحده لا يكفي. يجب ان يقترن، في رأيها، بشروط اخرى اهمها توسيع قاعدة التمثيل وإقصاء العناصر المتطرفة.
ماذا تبتغي واشنطن من وراء توحيد المعارضة اليوم؟ الجواب في تصريحات هيلاري كلينتون منتصفَ الاسبوع الماضي. قالت «إنه لم يعد من الممكن النظر الى «المجلس الوطني السوري» على انه القائد المرئي للمعارضة». اضافت ان اركان المجلس «لم يدخلوا الى سورية منذ 20 و30 و40 سنة. هناك حاجة الى وجود بنية للمعارضة تمثل كل السوريين وتحميهم».
النقص في التمثيل عيب قديم. لكن، ممن يُراد للمعارضة ان تحمى؟
كلينتون تريد من المعارضة «ان تقاوم بشكل اقوى محاولات المتطرفين الذين يتوجهون الى سورية ويعملون على تحويل مسار ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد النظام لصالحه.
المتطرفون، في مفهوم كلينتون، هم «الإسلاميون الجهاديون» الذين تعتبرهم اميركا ارهابيين يعادونها كما يعادون القوى الليبرالية والعلمانية التي يتشكّل منها نحو نصف أعضاء «المجلس الوطني السوري». ابرز المتطرفين «جبهة النصرة» الموالية لتنظيم «القاعدة» التي ترفض التعاون مع «الجيش السوري الحر» رغم صدور فتاوى عدة من منظّري التيار الجهادي تشيد بالجيش المذكور. ولعل اكثر ما أخاف واشنطن واقلقها نداء زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري الأخير ودعوته المجموعات السلفية الى التوجه الى سورية والجهاد بالسلاح في ساحاتها. عقب هذا النداء، جرى تخريج تنظيمات عسكرية سلفية جديدة مثل «لواء الإسلام» و»احفاد الرسول» وغيرها.
واشنطن استشعرت منذ اشهر تصاعد نشاط المجموعات السلفية المتطرفة من جهة وقصور «المجلس الوطني السوري» من جهة اخرى ما حَمَل سفيرها «السابق» في دمشق روبرت فورد (الذي يمثلها في مؤتمر فصائل المعارضة المنعقد في الدوحة) الى إجراء اتصالات واسعة مع مختلف اوساط المعارضة، الداخلية والخارجية، من اجل تظهير اولويات واشنطن الراهنة بما هي توحيد المعارضة في الداخل ودعمها في التصدي للتيارات «الجهادية» والإسلامية المتطرفة، وتحديداً تلك التي قدمت الى سورية من الخارج.
في هذا الاطار، نشطت واشنطن من اجل عقد مؤتمر فصائل المعارضة السورية في الدوحة الذي يشارك فيه، الى قطر، ممثلون لفرنسا وتركيا والسعودية وبريطانيا وجامعة الدول العربية. ويتضح من تقرير نشرته مجلة «فورن بوليسي» الاميركية ان واشنطن تسعى الى اقامة هيئة قيادية للمعارضة السورية تتمثل فيها قوى المعارضة في الداخل والخارج، الاحزاب المدنية كما المجموعات المسلحة، الفصائل المعبّرة عن اهل السنّة كما المجموعات والشخصيات المعبّرة عن الاقليات جميعاً، ولاسيما عن العلويين والاكراد. وقد تَرَدَدَ ان حصة «المجلس الوطني السوري» في الهيئة القيادية لن تكون اكثر من 15 من اصل 50 مقعداً. غير ان المجلس رفض اي إطار بديل منه.
ماذا عن الفصائل الاخرى؟
لا مانع من تمثيلها جميعاً، بما فيها الفصائل الإسلامية «المعتدلة» كالأخوان المسلمين، لكن بإستثناء المجموعات السلفية المتطرفة ذات الصلـة بتنظيم «القاعدة». الى ذلك، وضعت واشنطن شرطين اضافيين لتمثيل قوى المعارضة : إقصاء المتطرفين حتى لو كانوا من غير الإسلاميين، وتعهّد الاطراف الممثَلين في الهيئة القيادية مسبقاً بالحوار والتفاوض مع اهل النظام.
هل توحي هذه الترتيبات بأن واشنطن تخطط لتنظيم جولة مفاوضات قريبة بين الاطراف المتصارعة؟
لا تبدو واشنطن مستعجلة في هذا المجال وإن كان مجمل تحركاتها يوحي بأنها لم تعد تعوّل، بعد نحو عشرين شهراً من الصراع الدموي، على قدرة المعارضة المسلحة على هزيمة النظام والحلول محله. ثم انها تريد، قبل مباشرة المفاوضات، ان تتوصل مع اطراف عربية ودولية ذات صلة حميمة بالصراع، الى اطارٍ للمفاوضات، وربما قبل ذلك، الى تفاهم معها حول قضايا اخرى ساخنة كالبرنامج النووي الإيراني والصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي».
في ضوء هذه المعطيات، تركّز واشنطن في الوقت الحاضر على مهمات محددة للهيئة القيادية العتيدة :
أولاها، التصدي للتيارات «الجهادية» والإسلامية المتطرفة، وتعميق التعاون مع الاقليات عموماً والعلويين والاكراد والمسيحيين خصوصاً.
ثانيتها، مضاعفة الضغوط على النظام من اجل ضمان وجود «مناطق محررة» خارجة عن سيطرته.
ثالثتها، تعيين مسؤولين من قبل المعارضة لتأمين ادارة مدنية فاعلة في «المناطق المحررة» ما يضفي عليها جدية وصدقية في مواجهة النظام.
رابعتها، التنسيق مع الدول التي تضمها مجموعة «اصدقاء الشعب السوري» والمنظمات الدولية مثل الامم المتحدة وجامعة الدول العربية في توزيع المساعدات الإنسانية والتقنية.
خامستها، تطوير البنية القيادية الجديدة الى «حكومة منفى».
غير ان خبراء في الشأن السوري لدى «معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى» وآخرين في صحيفة «واشنطن بوست» اعربوا عن شكوكهم في ان تلعب المعارضة السورية المشرذمة دوراً في الوحدة الوطنية المطلوبة. يرجّحون ان الخطة التي تعتمدها واشنطن لتوحيد المعارضة «وضعت الأساس لإعتراف دولي بحكومة المعارضة» في المستقبل. غير ان مسؤولاً اميركياً رفيع المستوى اعتبر ان هذه الخطوة ما زالت بعيدة عن التنفيذ على ارض الواقع، ووصف وظيفة القيادة الجديدة بأنها لبناء «صدقية اساسية» بين المعارضة ومؤيدي النظام السوري.
الى ذلك، يستبعد قياديون في المعارضة السياسية ان تتوصل اطرافها وفصائلها بسهولة الى صيغة توحيدية. كما أنهم يستبعدون ما تردد حول ان النائب السابق رياض سيف او ان رئيس الوزراء السابق رياض حجاب سيترأس «حكومة المنفى» العتيدة. غير انهم لم يستبعدوا ان تُسند اليهما مهمات تفاوضية اذا قيّض للمفاوضات ان تنطلق في يوم من الايام.
ثمة اعتباران آخران يقتضي وضعهما في الحسبان. فقيادة الجيش السوري ترفض رفضاً باتاً التفاوض مع ضباط منشقين او فارين حتى لو كانوا مكلفين من قبل الهيئة القيادية بتمثيل المعارضة في المفاوضات. ذلك يتطلب حلاً او تسوية ربما تكون في تمثيل «الجيش الحر» في الهيئة القيادية على ان تُسنِد تمثيلها في المفاوضات الى قياديين سياسيين لا صلة تنظيمية لهم بالقوات المسلحة.
ثم، هناك مسألة اخرى بالغة الاهمية هي ما اذا كانت المفاوضات ستجري اصلاً. ذلك ان دولاً عربية عدة تدعم المعارضة السورية بالمال والسلاح لم يصدر عنها، سراً او علناً، ما يشير الى انها وافقت او ستوافق على وقف الضغط على النظام السوري. بالعكس، ثمة ما يشير الى ان هذه الدول، واطرافاً اقليمية اخرى، ما زالت منخرطة في سياسة الضغط على النظام من جهة، وعدم القبول بمحاورته او مفاوضته من جهة اخرى قبل التوصل مع ايران الى تسوية بشأن برنامجها النووي.
كل ذلك يطرح من جديد سؤالاً ساذجاً : لماذا توحيد المعارضة السورية الآن؟

السابق
أيهما أفضل للمنطقة: أوباما أم رومني
التالي
زيادة نسبة الخيانة عند النساء