قادة 14 آذار يقتلون الأمانة العامة

ولّد سوء التنظيم والتنسيق والخلافات الداخلية في فريق الرابع عشر من آذار شعوراً بأن هذا الفريق يقف عاجزاً ومكتوف اليدين أمام الأزمة التي يمُرّ بها. لم تعُد مشكلته تقتصر على «نزاعه» مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولا حزب الله، فحسب. المُشكلة باتت أكبر من ذلك، إذ تعمد الأحزاب الرئيسية فيه إلى إقصاء «الأمانة العامة» و«المستقلين» عن دائرة القرار

«تُخبّص» قوى الرابع عشر من آذار. أحزابها «تقتل» أمانتها العامة. تبدو الأخيرة كأنها «آخر من يعلم» بكل تفاصيل الأمور التي تُخطط لها القوى «السيادية». وبعد الحرب التي شنّها عدد من الأقطاب عليها، جاء الاجتماع الأخير الذي عُقد في منزل الرئيس سعد الحريري في وادي أبو جميل، أول من أمس، ليؤكّد أن الحرب عليها لم تنتهِ. تصرّفت الأحزاب كما لو أن هذه الأمانة غير موجودة، أو أنه لا دور لها ولا وزن ولا قيمة. حتّى إن البعض قالها بنحو صريح أن الأمانة العامة غير مرحّب بها في هذا الاجتماع، مع العلم بأن هذه الأمانة هي الملتقى الوحيد الذي يضم تحت سقفه الحزبيين وغير الحزبيين في 14 آذار. كان أي شخص من قوى 14 آذار قادراً على حضور اجتماعاتها، ونقاشاتها، وتسجيل الاعتراضات في داخلها، وعرض الأفكار.

أول من أمس، كُشفت صورة قوى الرابع عشر من آذار واضحة لا لُبس فيها. لا دور فيها لجمهور، ولا لرأي عام ولا مستقلّين، ولا من يحزنون. القرار ثلاثي بامتياز. إنه في أيدي رؤساء الأحزاب القابضة على عنق «ثورة» الأرز. الثورة هذه التي تقوم اليوم على ثوابت، لعلّ أهمها أن السياسة العامة لفريقها يجب أن تخدُم مصالحها هي ـــ أي الأحزاب ـــ قبل أي شيء آخر.

يختلّ التماسك داخل هذا الفريق. وبين القاعدة الجماهيرية المحبطة، وبين الرأس الممثل بقادة الصف الأول، الذين يحاولون الاستئثار بالقرار والمسار، يحاول «الوسط» الممثل بشريحة سياسية واسعة من المستقلّين مواجهة فرض الأمر الواقع، القاضي بـ«إقصائه». أبرزه أعضاء الأمانة الأمانة، الذين يرون أنهم يتعرّضون لـ«عملية إلغاء» منذ فترة طويلة. داخل الأمانة «سخطٌ» جماعي على سياسة قادة «المعارضة» التي «فقدت بوصلتها» الداخلية. فبعد الحملة التي شنّها حزب الكتائب على منسّق الأمانة العامة فارس سعيد، ووصول الأمور إلى حد التجريح الشخصي والمقاطعة، فوجئ الأعضاء بعدم دعوتهم إلى اللقاء الأخير، باستثناء الذين يحملون صفة حزبية أو صفة «نواب حاليين وسابقين». منهم من لم يلبّ الدعوة، كفارس سعيد وسمير فرنجية، ومنهم من انسحب كالياس عطا الله، احتجاجاً على طريقة العمل وعدم وجود خطط عملية للمواجهة التي يُحكى عنها. لكن بعيداً من كل هذه الاعتراضات، يُقال في المجالس الخاصة إن «الغضب» الكتائبي على سعيد وأمانته لم يفتر بعد، وإن المقاطعة جاءت نتيجة معرفة أعضائها بعدم وجود رغبة كتائبية في مشاركتهم، إضافة إلى معرفتهم بحكم «الإعدام السياسي» الذي يُطبخ في الأروقة الحزبية داخل 14 آذار، والقاضي بإنهاء دور الأمانة العامة تحت شعار إعادة هيكلتها.

لا تنفي مصادر كتائبية هذا الأمر ولا تؤكّده. وبما أن «الزعل» لا يزال قائماً، تفتح هذه المصادر فمها واسعاً لتحميل الأمانة العامة مسؤولية إخفاق 14 آذار، وكأنه لا يكفي هذه الأمانة «كآبة» الجوّ السياسي والأمني الذي تعيشه، والذي يشبه إلى حدّ ما جوّ مقرّها حيث «صُمّدت» منذ إنشائها. تقول هذه المصادر إن الأمانة «تخطّت حدودها في إصدار بيانات لا تُمثّل أحزاب قوى الرابع عشر من آذار، من دون التشاور معها»، كما أنها «تحوّلت إلى طرف مستقل، يقوم بما يحلو له، بعدما كان دورها القيام بالتنسيق بين مكوّنات فريقنا». أما عن محاولة استبعاد المستقلّين، فتهزأ هذه المصادر من «الأعضاء الذين يجتمعون، أحياناً بخمسة أشخاص، وحيناً آخر بثلاثين أغلبهم غير معروفين ولا يمثّلون سوى أنفسهم». ولم تقف هذه المصادر عند حدود انتقاد الأمانة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك في الكشف عن نقاشات تدور بين المكونات الحزبية، تبحث في فكرة إعادة هيكلة الأمانة العامة وتغيير أعضائها، إذ «من المفترض أن يقتصر فيها الأعضاء على أولئك الذين يمثّلون الأحزاب إلى جانب المجتمع المدني».

في الأمانة العامة التي تحولّت أخيراً إلى «منتدى سياسي» للنقاش والتحليل، يدرك «الثوار» أن «ثمّة تغييراً جذرياً في صورة قوى 14 آذار»، يتولى الإعداد له كل من «تيار المستقبل والكتائب والقوات اللبنانية»، للسيطرة على زمام الأمور و«اختصار الثورة» التي قامت في عام 2005. ليس ذلك بغريب، يقول أحد أعضاء الأمانة العامة، مضيفاً: «هم يحاولون منذ فترة العودة بأي ثمن إلى السلطة، على أنقاض جمهورهم الذي لم يرتقوا إلى مستوى تمثيله كما يجب». والدليل أنهم «يغيبون عن قضاياه المعيشية والاجتماعية والاقتصادية»، فيما «لا يضعون نصب أعينهم سوى الحكومة التي يريدون العودة إليها، وحزب الله ونجيب ميقاتي».

لأعضاء الأمانة أيضاً الكثير مما يخبّئونه في جعبتهم. اليوم، بات واضحاً الهجوم الذي يشنّه هؤلاء على الأحزاب والتيارات في فريق الرابع عشر من آذار. يرون أن الأمانة العامة هي من «تمثل الرأي العام الذي انتفض في الشارع»، لذا يرفضون «إقصاء هذا الجمهور وإحباطه مرّة أخرى». والأمانة العامة التي تستلهم أفكارها من «الجمهور»، بحسب ما يقول أعضاؤها، لديها مقاربات مختلفة للأزمة التي أوقع فريق الرابع عشر من آذار نفسه فيها. ورُغم محاولات هذا الفريق تعديل خطّته في مواجهة الفريق الآخر، تؤكّد «الأمانة» أنه في «وارد الفشل مرّة أخرى»، ليس لشيء، سوى لأن «الحال التي تعيشها المكونات لا تعكس الرأي العام الشعبي»، كما أن «كل ردود الفعل التي ظهرت في الشارع تشي بوجود فوران حقيقي في نفوس القاعدة التي أكلت الضرب أكثر من مرّة، عندما أمعن قادتها في إحباطها عبر الدخول في تسويات داخلية، وفق أهوائهم ومصالحهم».

ما يخلص إليه فريق الأمانة العامة اليوم هو أن «14 آذار تأكل نفسها. لم يستطع «الزُعماء» فيها أن يتعايشوا مع فكرة وجود آراء تختلف عن آرائهم، أو وجهات نظر لا تصُبّ في الخانة الحزبية التابعة لهم. وهكذا، فإن شبح التفكّك لم يعُد مقتصراً على مناصري الأحزاب في 14 آذار، بل يُطارد اليوم الأمانة العامة والمستقلين الذين يجدون أنفسهم اليوم في مرمى الاستهداف، على الرغم من أن الوضع لا يزال ملتبساً بالنسبة إليهم. وماذا هم فاعلون؟ لا شيء. يوم أمس، سرت معلومات تفيد بأن النائب السابق سمير فرنجية سيعلن موقفاً حاداً مما جرى في بيت الحريري في وادي أبو جميل، ومن سوء الإدارة السياسية لفريق 14 آذار بأكمله. لكن هذه المعلومات نفتها مصادر الأمانة، مؤكدة وجود اتصالات تجريها قيادة القوات اللبنانية وتيار المستقبل لتخفيف الاحتقان الذي سبّبه اجتماع أول من أمس. ماذا بعد ذلك؟ ليس أمام الأمانة العامة سوى الانتظار، وإعداد وثيقة جديدة لتضاف إلى سلسلة الوثائق التي تملأ أدراج مكتب النائب السابق فارس سعيد.

السابق
المستقبل يورّط حلفاءه في سياسة المقامرة
التالي
عودة الوئام إلى المثلث الدرزي: الجبل أولاً