لدينا استقرار وليس لدينا أمن

غداة اغتيال اللواء وسام الحسن تحدث رئيس الحكومة عن استقالة ما" مستندا بشيء من الانفعال الى غضب طائفته وسخط ابناء منطقته. بعد اسبوع اكتشف نجيب ميقاتي ان دم وسام الحسن ليس مسؤوليته وبالتالي فالاستقالة "لم تعد واردة اطلاقا". في كل الاحوال لم تكن هناك استقالة ولم يكن هناك طي لها. فمثل هذا القرار ليس قراره، ولا نتيجة مشاورات الرئيس، لان الحكومة ليست حكومته. فالذين جاؤوا بميقاتي بدأت حاجتهم اليه الآن مع ازدياد التعقيدات والصعوبات، يتساوى في ذلك قول سفراء الدول الكبرى ان "المهم هو الاستقرار وعدم حصول فراغ في الحكم"، او قول حلفاء ميقاتي في الحكومة انهم لم يأتوا بها لترحل عند اول اغتيال، لان وسام الحسن قد يكون الاول في سلسلة جديدة كتلك التي سبقتها قبل سبعة اعوام.
الاكتشاف الآخر الذي تعرف اليه اللبنانيون، ولم يكونوا يجهلونه واقعيا، هو استحالة "حكومة الوحدة الوطنية"، ليس فقط في صعوبة ايجاد رئيس "محايد" متمتع بالهيبة بل ايضا في صعوبة تشكيلها، والاكثر صعوبة رسم سياستها وتمكينها من ادارة البلد وسط كل هذه الشروخ الضاربة في المجتمع. وهذا في حد ذاته مؤشر فشل عميق، ففي مختلف الظروف الحالكة لم يكن البلد يعدم امكان الاستنجاد بـ"الوحدة الوطنية" في استنفار انقاذي.
اما "الفراغ" الذي تخوفت منه القوى الخارجية فما هو سوى مصطلح سياسي استخدم بديلا من مصطلح آخر اراد الجميع تجنب ذكره، وهو ملء الفراغ بحكومة امر واقع تكمل الانقلاب الذي بدأه "حزب الله" عبر هذه الحكومة التي تشكل الحد الادنى الذي يقبله الاوصياء السوريون والايرانيون على "حزب الله" والتيار العوني. ولقاء هذا الحد الادنى يتغاضى "الاوصياء" عن "الاستقرار" حتى لو غدا شكليا، او مجرد شعار لا وجود له الا في بيانات الحكومة ورئيسها. اما اذا وجد "الاوصياء" ان تغييرا سيطرأ فانهم سيأمرون بدفع الانقلاب الى اقصى غاياته.
لو حصلت الاستقالة الوهمية، او لو اعتمد خيار "حكومة الوحدة الوطنية" لفقدت الاحزاب الاساسية في الحكومة امكان تحاصص الوظائف العليا التي تمكنها من وضع اليد على مفاصل الدولة، وبالتالي من تعزيز وضعها في الانتخابات المقبلة، اذا كان لها ان تحصل. الآن، بعد طي الاستقالة، يتحدثون عن "تزخيم" العمل الحكومي بغية قطف ثمار التعيينات وضمان تجاوز الازمة الناجمة عن اغتيال رئيس شعبة المعلومات.
ماذا يعني ذلك؟ انه يعني، عدا الادارة الفاشلة لـ 14 آذار في حملتها على الحكومة، ان لدينا تهورا في الحكومة الباقية بلغ حد الاستخفاف بأمن الوطن والمواطنين. يندر ان توجد حكومة كهذه في اي بلد، يفاخر رئيسها بـ"الاستقرار" رغم ان الامن على كف عفريت.

السابق
الشرق الأوسط: مصادر رئاسة الجمهورية: الأجواء لا توحي بحوار قريب
التالي
المالح: اضع شروطا للحوار مع روسيا وإيران