آخر مهمة لسليمان

النتيجة الأولى والمؤكدة لاغتيال وسام الحسن حتى اللحظة، هي تعميق المأزق اللبناني لدى طرفي الصراع في بيروت، كنتيجة منطقية وبديهية لجمود المأزق الإقليمي والدولي المرتبط بالوضع في دمشق. فريق الأكثرية يحسب أنه سجل نقاطاً إضافية في رصيده. راكمها في شكل اساسي بفضل تهور الفريق الحريري وردود فعله الخاطئة حيال جريمة الأشرفية، فيما فريق المعارضة بات ظهره إلى الحائط، فقرر على ما يبدو إخراج ما تبقى له من مخالب، لم تبرها بعد أقلام فؤاد عجمي ودايفيد إيغناسيوس وجورج مالبرونو.

لكن الظاهر أن فكرة البحث عن تسوية ما، ليست مستبعدة أو مستحيلة لدى الفريقين. والمعادلة الوحيدة الجدية المطروحة لها، هي صفقة حكومة انتخابات، في مقابل قانون جديد لتلك الانتخابات. لدى فريق المعارضة كان لافتاً أن سمير جعجع حاول التموضع حياداً حيال الفكرة. حتى أنه قصد تحييد نجيب ميقاتي كشخص، مع مطالبته باستقالة حكومته. وكأن شعرة معاوية حفظت هنا مع ميقاتي. حتى ضمن احتمال طرح ميقاتي نفسه رئيساً لحكومة انتخابات، اي تحديداً حكومة مكونة من غير المرشحين النيابيين حصراً، على غرار تجربة ميقاتي سنة 2005. البعض داخل فريق المعارضة يستهول الفكرة. لكن الذين يعرفون في السياسة أكثر من معرفتهم باللغة الماندارينية، لا يغفلون عن أن قبول المعارضة بميقاتي نفسه رئيساً لحكومة من غير المرشحين، فيه الكثير من الحنكة السياسية. يكفي أن احتمالاً كهذا سيبعده عن خوض المعركة في طرابلس. وفي ظل قرار محمد الصفدي الانسحاب من النيابة وربما من كل السياسة، سيؤدي ذلك إلى حسم الفريق الحريري لموقعة لا يمكنه بأي شكل اعتبارها محسومة مسبقاً، بدليل حاجته سنة 2009 إلى ميقاتي والصفدي معاً لربحها. أكثر من ذلك، يدور في كواليس أصحاب العقول من أهل الفريق الحريري كلام عن خطورة ترك الأمور على عواهنها، وصولاً إلى الفراغ النيابي أو أكثر. فآخر تجربة مماثلة في 5 أيار 2008 أدت إلى «بروفا» فتنة سنية ــ شيعية. أما ركب الرؤوس أكثر والرهان على تكرار تجربة ما بعد اغتيال رشيد كرامي سنة 1987، فيشي بمخاطر أكبر وأكثر بنيوية. يومها قرر فريق مقاطعة رئيس الجمهورية، فانتهى الأمر بعد سنة ونيف إلى فراغ رئاسي، لم يلبث بدوره ان انتهى إلى تعديل دستوري وتغيير في مفاصل النظام وقيام ما سمي الجمهورية الثانية، ما يطرح الاحتمال: إذا تعنت الفريق الحريري الآن، وذهب في تعنته حتى تطيير الانتخابات النيابية في الربيع المقبل، وصولاً إلى احتمال الفراغ الرئاسي في ربيع 2014، فما الذي يضمن ألا يؤدي ذلك بعدها إلى «طائف» جديد؟ وماذا يعني أي طائف جديد اليوم، غير قضم صلاحيات رئاسة الحكومة السنية، كما يطرح ميشال سليمان، وكما تلمح بكركي، وكما يطمح حزب الله، في ظل موازين قوى تذكّر بميزان القوة المسيحية عشية الطائف الأول؟؟

في المقابل، لا يبدو فريق الأكثرية سكراناً بوضعه الجديد، رغم التحسن الملحوظ في أسهمه داخلياً وإقليمياً، فهو يدرك أن كل الموازين هشة هوائية، وتظل عرضة لعاصفة أي «شهيد» جديد. وهو ما يرفع من احتمالات البحث عن تسوية، خصوصاً حين يتذكر أهل الأكثرية أن عرف تشكيل الحكومات في عهد ميشال سليمان بات يفرض مرور أشهر عدة بين الاستقالة والبيان الوزاري الجديد، ما يعني أنه إذا وافقت الأكثرية اليوم على تسوية في إطار معادلة حكومة / قانون، فهذا يعني أن الحكومة المذكورة لن ترى النور إلا مع انطلاق العمليات الانتخابية فعلياً. وهو ما يخفف من حاجة هذا الفريق إلى السلطة، ضماناً للاستقرار كما يقول، وحفظاً لوجوده هو واقعياً، فإذا انتهت النتيجة العملية لصفقة كهذه، بالوصول إلى الانتخابات بقانون على أساس النسبية مثلاً، كما تريد الأكثرية، مقابل اسابيع معدودة في ظل حكومة انتخابات من غير المرشحين، فلا تبدو صفقة كهذه خاسرة للأكثرية.

تبقى نظرياً مسألة البحث عن وسيط، خصوصاً أن الأوضاع السورية لم تترك طرفاً إقليمياً أو دولياً مؤهلاً لصفة الوسيط أو الوسطي، حتى أنها لم تترك عاصمة واحدة صالحة لطاولة تلاق، لا طائف ولا دوحة ولا قاهرة ولا من يقهرون. هكذا لم يبق لنا فعلياً إلا بيروت. ولم يبق شئنا، أم أبينا، إلا ميشال سليمان. فهو مبدئياً أقرب إلى الأكثرية في موقفه من قانون الانتخابات، وأقرب إلى المعارضة في موقفها من الحكومة. وهو لا بد أنه يدرك أن الفراغ لا ينفعه بشيء. فمنذ العام 1976 حتى العام 1989، كان تمديد نيابي دام 16 عاماً حتى سنة 1992، ومع ذلك ظل رؤساء الجمهورية ينتخبون، إما مبكراً أو متأخراً، لكن ينتخبون. وبالتالي، تبدو المهمة الأخيرة الوطنية الممكنة لميشال سليمان، ان ينضج تسوية كهذه، تعبر بالوطن سنتين مصيريتين، في انتظار نتائج الحرب الكونية على زاروب جديد في حلب، قبله زاروب، وبعده زواريب.

السابق
الصرفنـد بعـد السيـول: المسارعة بالكشف عن الأضرار والتعويض
التالي
إستثمار سياسيّ مشبوه لدماء الشهداء