سلاح حزب الله والثورة السورية

لا شكّ ان خسارة اللواء وسام الحسن خسارة كبيرة للبنان خصوصا وللامن العربي عموما، انها من نوع الخسارات التي لا تعوّض. لم يكن وسام الحسن مجرّد ضابط لبناني وعربي ادى واجبه في مواجهة التهديدات التي يتعرّض لها الامنان العربي واللبناني. كان ايضا عقلا سياسيا يدرك ابعاد الاخطار التي يتعرّض لها لبنان والامن الاقليمي في آن.
تبدأ هذه التهديدات بما تمثله اسرائيل وشبكاتها، بما في ذلك الشبكة العونية في لبنان (نسبة الى ميشال عون)، وصولا الى ايران بادواتها وادوات الادوات. لعلّ اخطر ما في التوجّه الايراني المخاطر الناجمة عن الرهان الدائم لطهران على اثارة النعرات المذهبية وعلى النظام السوري الحالي الذي لا هدف له سوى المتاجرة بالعرب والعروبة وفلسطين والفلسطينيين ولبنان واللبنانيين.
يتاجر النظام السوري بكل هؤلاء من اجل المحافظة على بقاء السلطة في يد افراد عائلة تعتبر المواطنين السوريين عبيدا لديها وسوريا مجرّد مزرعة. تريد هذه العائلة حكم سورية عن طريق الشعارات، من نوع «المقاومة» و «الممانعة» والدعم الايراني المباشر وغير المباشر، في حين انّ كلّ ذلك ليس سوى غطاء لحكم مذهبي اقلّوي تحوّل مع الوقت الى حكم عائلي صرف في خدمة المشروع الايراني في المنطقة.
يعرف اللبنانيون جيّدا، وربّما اكثر من اللزوم، من اغتال وسام الحسن. لكنّ هناك امرين، يشكّلان الصورة الاكبر، يفترض ان لا يغيبا عن البال في اي شكل من الاشكال وايّ وقت من الاوقات.
الامر الاوّل انّ في اساس المشاكل التي يتعرّض لها الوطن الصغير سلاح «حزب الله». وهو سلاح ايراني ومذهبي وميليشيوي في الوقت ذاته. كلّ ما عدا ذلك ضحك على ذقون الناس وعلى اللبنانيين. ما يهجّر اللبنانيين من بلدهم هو سلاح «حزب الله» غير الشرعي. ما يجعل الجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان والشمال مناطق متخلّفة فيها هذا العدد الكبير من البؤساء هو سلاح «حزب الله» ولا شيء غير ذلك. ما يجعل البلد على كفّ عفريت هو سلاح «حزب الله». من زرع بذور الطائفية والمذهبية وفرّق بين السنّة والشيعة والدروز الذين باتوا يشعرون انّهم اقلّية مهددة هو سلاح «حزب الله». من يراهن على الانقسامات المسيحية- المسيحية من اجل تغطية الجرائم التي استهدفت اللبنانيين الشرفاء هو «حزب الله» ومن يقفون خلفه في طهران ودمشق. هل صدفة ان يحلّل ميشال عون دمّ وسام الحسن قبل ايّام قليلة من اغتياله؟ هل صدفة ان يكون صغار الصغار من ازلام النظام السوري حرّضوا على الرئيس الشهيد رفيق الحريري طوال اشهر واسابع تمهيدا لتفجير موكبه؟
حلّ سلاح «حزب الله» مكان السلاح الفلسطيني وسلاح الميليشيات المسيحية والاسلامية، الذي مصدره الاراضي السورية. ظلّ هذا السلاح يتدفق على لبنان منذ ما يزيد على خمسة واربعين عاما، اي منذ كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع بين 1966 و1970.
لم تكن من مهمّة للنظام السوري، حتى قبل استيلاء الاسد على كلّ السلطة سوى اغراق لبنان بالسلاح وذلك كي تكون فيه بؤر امنية خارج سيطرة الدولة اللبنانية. في مثل هذه البؤر، يجري التحضير للجرائم والاغتيالات والتفجيرات التي يتعرّض لها لبنان واللبنانيون. لولا هذه البؤر، لما كان في الامكان التحضير لاغتيال رفيق الحريري ورفاقه، ولما كان هناك مكان يهرب اليه الذين اغتالوا بيار امين الجميّل في وضح النهار…
نعم، لابدّ من التخلص من الحكومة الحالية التي يرأسها نجيب ميقاتي. يجب التخلّص منها اوّلا وقبل اي شيء آخر لأنّها ثمرة انقلاب نفّذه «حزب الله» بسلاحه الموجّه الى صدور اللبنانيين بناء على طلب ايراني- سوري وذلك بعدما رفض الرئيس سعد الحريري الرضوخ للشروط الايرانية والسورية. تبدأ هذه الشروط باستسلامه لقاتل والده والاعتذار منه ووضع مصيره ومصير عائلته ورفاقه بين يديه، كما فعل وليد جنبلاط في العام 1977. وتنتهي الشروط بتكريس لبنان مستعمرة ايرانية بحجة الدفاع عن الامن الوطني الايراني على حساب مستقبل لبنان واللبنانيين.
يفترض في اللبنانيين ألا ينسوا في ايّ لحظة سلاح «حزب الله» الذي ليس سوى وسيلة يستخدمها السوري والايراني. انّه وسيلة لعقد صفقات، يحلم بها الجانبان، مع «الشيطان الاكبر» الاميركي و«الشيطان الاصغر» الاسرائيلي، على حساب لبنان واللبنانيين ومستقبل ابنائهم طبعا.
ولكن ما يفترض ألا يغيب عن بال اللبنانيين هو جانب آخر من الصورة الاكبر. هذا الجانب من الصورة الاكبر هو الثورة في سوريا. مستقبل لبنان مرتبط بما يجري على الارض السورية وبالثورة الشعبية في وجه نظام قاتل يرفض الرحيل قبل تدمير كل حجر كلّ قرية او بلدة او مدينة سورية.
بكلام اوضح، من الافضل للبنانيين عدم الغرق في التفاصيل. هذا لا يعني السكوت على جريمة كبيرة في حجم اغتيال وسام الحسن، بكل ما يمثله على الصعيدين الوطني والعربي، بمقدار ما يعني ان المطلوب اكثر من اي وقت افشال المخطط السوري- الايراني.
ما يسعى اليه النظامان، وسيفشلان في ذلك نظرا الى تجاهلهما حجم الثورة الشعبية في سوريا ومدى عمقها وتمددها، هو نقل الحريق الى لبنان. هذا ما دفع الاخضر الابراهيمي الى المجيء الى بيروت قبل ايّام قليلة من اغتيال وسام الحسن. هذا ما دفعه الى التحذير من ان النار ستأكل «الاخضر واليابس» خارج سوريا ايضا. ما لم يقله ان النظام السوري يريد تفجير المنطقة معتقدا ان في ذلك خلاصه وانه لم يعد هناك شيء آخر يراهن عليه في ضوء خسارته سوريا…
واجب اللبنانيين تفادي السقوط في مثل هذا الفخ الذي كان من بين الاهداف الذي وضعها النظام السوري نصب عينيه، هو ومن يدعمونه وينفّذون له مآربه، بما في ذلك اغتيال وسام الحسن، على الاراض اللبنانية.

السابق
الخوري:علاقة سليمان بالاسد معلقة
التالي
دروس هدنة الإبراهيمي