تحرك الشعب مهم ولا يكفي وحده

"المجتمع الدولي" أبلغ يوم الاثنين الماضي، رئيس الجمهورية دعمه للاستقرار في لبنان، وخشيته عليه من النار السورية، ودعمه لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لا لأنها تعجبه وتضم في صفوفها حلفاء له بل لأن خروجها من الحكم بضغط من شارع لبناني سيوقع لبنان في الفراغ والفوضى والحرب. ذلك أنه منقسم الى شارعين رئيسيين متعاديين، هما بدورهما منقسمان الى شوارع اصغر متنافسة. بطبيعة الحال لم يرتح قادة 14 آذار للموقف الدولي هذا. وعبّروا عن ذلك بمواقف عدة كان ابرزها ثلاثة: الاول، ان الشعب هو الذي يقرر وليس المجتمع الدولي بدليل ما حصل بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري في عام 2005. إذ استقال رئيس الحكومة عمر كرامي بضغط من "الشعب" المتظاهر بالقرب من مجلس النواب. والثاني، ان الحشد "الشعبي المليوني" الذي ضاقت به ساحة الشهداء والذي جاء رداً على حشد مليوني آخر نفذه "حزب الله" وفاء لسوريا الاسد في ساحة رياض الصلح، هو الذي اخرج جيش الوصاية السوري وليس الاميركيون. اما الموقف الثالث فهو ان الخارج وفي مقدمه اميركا تدخّل نتيجة للحشود الشعبية الضخمة التي كانت تطالب بخروج سوريا من لبنان وبإسقاط النظام الامني المشترك اللبناني – السوري.
هل ما يقوله غير المرتاحين في 14 آذار لـ"الدعم الدولي" المذكور اعلاه لاستمرار حكومة ميقاتي خوفاً على الاستقرار من الفراغ، صحيح؟
المدة التي انقضت، منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري وما أعقبها من أحداث، تزيد قليلاً عن سبع سنوات. وهذه المدة القصيرة لا تُضعِف ذاكرة الناس وخصوصا الذين كانوا منهم وقتها في سن المراهقة أو الشباب او الرجولة او الكهولة. فضلاً عن ان ذاكرة وسائل الاعلام على تنوعها وتناقضها لا تَضعَف، وقدرة المهتمين على اللجوء اليها لمعرفة ما جرى او لاستذكار تفاصيل محددة منه صارت كبيرة جداً. انطلاقاً من ذلك يقول متابعون لأوضاع لبنان في تلك الفترة ومتابعون اجانب لمواقف اجنبية عدة في الفترة نفسها، يقولون ان كلام بعض القادة في 14 آذار المفصّل أعلاه مُبالغ فيه. ولا يرمي ذلك الى التقليل من الدور الشعبي في تغيير الواقع اللبناني – السوري الذي كانت تشكو من سلبياته الكثيرة غالبية اللبنانيين عام 2005. فلولا الدور الدولي كان النظام السوري ترك المحزونين والغاضبين يبكون ويتظاهرون بضعة ايام، ثم دفع السلطة اللبنانية الحاكمة بارادته الى الاستمرار في تنفيذ سياسته وتحقيق اهدافه. والانصاف يقتضي الاعتراف بأن دولاً كبرى وفي مقدمها فرنسا جاك شيراك واميركا جورج بوش الابن كانتا غيَّرتا موقفهما المعتبر دور سوريا في لبنان بنّاء، وكانتا طالبتاها معاً بالانسحاب منه عسكرياً وسياسياً وأمنياً، قبل استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وقد عبّرتا عن ذلك بقرار مجلس الامن 1559 الذي يظن كثيرون انه دفع المتضررين منه الى قتل الحريري. فضلاً عن ان المملكة العربية السعودية شريكة الغربين الاميركي والفرنسي بل الاوروبي طلبت وباسمهما كما باسم المجتمع الدولي من الرئيس بشار الاسد سحب جيشه من لبنان بطريقة تقرب من الانذار. فلم يتردد إذ خاف العواقب. ولولا المواقف الدولية كان فعل الاسد بالمنتفضين عليه في لبنان عام 2005 مثلما يفعل بالثائرين عليه في سوريا اليوم، وربما كان حقق نتائج افضل بسبب تركيبة لبنان التعيسة.
بماذا يعلّق المراهنون على دور التحرك الشعبي وحده لإسقاط ميقاتي وحكومته على اقوال المتابعين اللبنانيين والاجانب المفصّلة اعلاه؟
يستمرون في رهانهم على الشعب علماً ان معهم نصفه او اكثر فقط، وان الذين ضدهم منه منظمون أكثر منهم، لا بل عندهم دولتهم الخاصة بكل مؤسساتها المدنية والامنية والعسكرية. لكنهم يضيفون امراً آخر مهماً هو ان حلفاءهم العرب وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية تقف معهم لا مع اميركا واوروبا والمجتمع الدولي في صراعهم مع ميقاتي والقوى اللبنانية – الايرانية – السورية التي تدعمه، كما تدعم انخراطهم في الثورة السورية او تأييدهم لها. وهذا الامر صحيح على الاقل حتى الآن. لكن من يضمن ان يبقى كذلك إذا طلب حلفاء المملكة "الاجانب" منها موقفاً معتدلاً يجنّب في رأيهم لبنان التحوُّل ساحة ثانية للحرب المذهبية في سوريا، وخصوصاً في ظل حاجتها الى دعمهم في مواجهة تهديد ايران الاسلامية لها؟ ومن يضمن ايضاً ان لا تُقنِع المملكة حلفاءها الدوليين بموقفها؟

السابق
18 شخصية لبنانية في دائرة الخطر
التالي
الرجولة الإيجابية..لتبرئة ذمّة الرجل من تهمة تعنيف المرأة