فؤاد السنيورة.. مبروك!

هل من الضروري أن نشدّ على يدك حين نقول لك مبروك؟! مبروك لأنّك نجحت في إثارة الشارع، لأنّك أمام بيت من بيوت الله حرّضت على القتال وعلى التمرّد وعلى العصيان وعلى الخراب، خراب بلدك.
نقول لك مبروك لأنّك نجحت في طمس ذاكرة الذين استمعوا إليك وأنت تقول لهم أمام مسجدٍ، وعلى بعد أمتار قليلة من شهداء شاركت في تأبينهم، أنّ رئيس وزراء بلدك شريك في اغتيال اللواء وسام الحسن، لكنك لم تقل لهم إنّ عشرات الشهداء قد اغتيلوا من دون أن تهتزّ شعرة في مفرقك، لأنّك يومئذٍ كنتَ متربّعاً على كرسيك في السراي نفسها التي طالبت الناس أمس بالزحف إليها لإسقاط نجيب ميقاتي الذي تتهمه بمسؤولية الجريمة.

كمواطن في هذا البلد التعيس بسياسييه ومتزعّميه من المعتمدين على ضعف ذاكرة الجماهير، أودّ أن أسألك، ولو على صعيد شخصيّ: هل شاهدت نتيجة تحريضك؟ ألستَ مسؤولاَ عن هذا الشاب أو ذاك ممّن سقطوا إغماءً بفعل قنابل الغاز مسيّل الدموع التي أطلقها رجال الأمن المكلّفين بحماية السراي؟.
يوم اللواء وسام الحسن، كان يجب أن يكون يوم صلاة ومسامحة، وفي الوقت نفسه يوم شدّ الهمم والعزائم للعمل معاً حتى لا تتكرّر هذه المأساة، ولا يكون ذلك بالتحريض من أجل كرسي نعرف أنك منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة الميقاتي قلت في بيان البريستول الشهير: «نناشد الدول العربية والإقليمية والدول الغربية ألّا تعترف بهذه الحكومة وأن تقاطعها حتى تسقط غير مأسوف عليها».
الدول العربية والغربية لم تقاطع الحكومة فلم تسقط، ولذلك لجأت إلى سلاح آخر.. سلاح التحريض.

هل يستأهل كرسيّ مجلس الوزراء كلّ هذا؟ هل يستأهل المنصب كلّ هذا الحقد؟… ولا أقول الكراهية!
وداع الحسن في مقرّ قوى الأمن الداخلي كان مهيباً، رصيناً، مسؤولاً، لم توزّع فيه التهم والإدانات لا ميمنةً ولا ميسرةً، بل كانت كلمات تدعو إلى ضرورة التنبّه للأخطار، وإلى الحفاظ على الاستقرار، وكان عهد وتعهد من قوى الأمن بأن تتابع المسيرة، فاستحق اللواء أشرف ريفي كل احترام لأنّه أثبت في الشدائد أنّه رجل مسؤولية. أمّا في الجانب الآخر، فقد حوّلتم المسجد ـ حوّلتم بيت الله، البيت الذي قام أساساً على المحبة والهداية والكلمة الطيّبة، وتقول الآية ما معناه: «وجادلهم بالتي هي أحسن» ـ إلى مكان للتحريض، بدا بألفاظه أنّه ضدّ شخص الميقاتي، لكنه في النتيجة ضدّ الوطن وضدّ استقراره. فأين هو الجدال الأحسن؟
اللافتات المرفوعة ماذا حوت؟ ثورة واحدة في دولتين! ماذا يعني هذا؟ ألا يعني استيراد «الثورة» السورية وأساليبها إلى لبنان؟ هل يكفي أن يقول سياسيّ متفلسف أن تلك مسألة شخصية ولسنا من طلب رفع ذاك الشعار؟! السياسيّ الثعلب لا يطلب بل يوحي، يحرّض ويوصل الناس إلى أن يردّدوا ما يريد.

لسنا في وارد بحث في علم نفس الجماهير، ولا في وارد تحليل أساليب التحريض. فهل نحترم الموت ونحترم شهداءنا هكذا؟ لافتة أخرى تقول: «النجيب من الجريمة يفهم» وثالثة تقول: «ارحل ارحل يا نجيب». فهل كلّ هذه اللافتات كانت بدوافع شخصية من قبل رافعيها؟ من المسؤول عن التحريض الدموي؟ وكلّ ذلك لإسقاط الحكومة والمجيء بحكومة يقولون إنّهم يريدونها حرّة غير مسيّرة ولا مجيّرة، ترسّخ الاستقرار في لبنان. في عهد السنيورة كانت كلّ الاغتيالات والتفجيرات، فكيف نفسّر ذلك؟
لولا المحرّض لما وجد المجرم. هناك دائماً من يحرّض شخصاً ليصبح مجرماً ويرتكب الجريمة، شاعر لبناني اسمه فؤاد بليبل قال ذات مرة يخاطب عاهرة أشفق عليها: «زعموك بائعة الأثيم من الهوى
كذبوا فالذنب ذنب المشتري»

فلولا المحرّض لما وجد المجرم. نعم، القاعدة إيّاها تقول: وراء كلّ مجرم محرّض.
فيا قوم، تعالوا إلى كلمة سواء نبتغي منها هناء الإنسان واستقراره وسعادته في وطن مستقرّ، هذا إن كنتم تؤمنون. والإيمان لا يكون بكلمة فؤاد السنيورة: «لا حديث قبل رحيل هذه الحكومة».
ولُو! أهكذا يتعامل أبناء الوطن الواحد؟ وهناك عبد المشنوق الذي قال الكلمة نفسها مع تغيير كلمة واحدة فقط: «لا حوار قبل استقالة الحكومة». الكليشهات كلّها جاهزة فهل تبنى الأوطان هكذا، بتحويل مناسبة حزينة على مستوى الوطن كلّه إلى مهرجان تنفيس أحقاد ودعايات وانتخابات سياسية؟  

السابق
الحسن.. إغتيال بحجم الصراع
التالي
واشنطن تُحذر رعاياها من السفر إلى تونس