الحسن.. إغتيال بحجم الصراع

   أغتيل وسام الحسن، ذلك أن لعبة «الحرب الأمنية» لم تنته بعد، فهي على الأرجح في أوجها بظل ما يجري في المنطقة وتحديداً في سورية ولبنان. عملية الإغتيال الأخيرة لا يمكن فصلها عن تلك الحرب التي تخوضها «إسرائيل» ضد كل الأطراف في لبنان ممن تعتبرهم أعداءً أشداء، أو أولئك الذين تعتبرهم أقل عداء.. لكنها لم تصنفهم يومأً في عداد الأصدقاء بالرغم من تنطح بعضهم بالحد الأدنى إعلان عدم انزعاجه منها كانزعاجه من سورية واستعدائه لها مثلاً.

عملية الإغتيال المدوية التي جاءت بحجم اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري لم تكن تستهدف فقط شخص العميد الحسن بل ما كان يمثله في لعبة الصراع في المنطقة والتي يراد منها أن تبلغ مبلغ الإقتتال الطائفي والمذهبي الذي يخدم الكيان الإسرائيلي والذي يرفض بعض الحاقدين في لبنان أن تشمله فرضيات الإتهام فيحاول التركيز على متهم واحد يرى فيه عدواً شخصياً له ولمصالحه وزعامته.
إلا أن ما يجب الإشارة إليه هو أن العميد الحسن كان يعلم بشكل يقيني أنه مستهدف لكونه أحد أبرز أقطاب الحرب الأمنية التي ارتضى أن يخوضها من موقعه كضابط كبير في الشرطة اللبنانية، والتي يخوضها غيره من مواقع اخرى حزبية، ففي حين أن الحسن كان يعيش ايضاً هذا الهاجس منذ فترة طويلة وقد أسر لبعض اصدقائه المقربين وغير المقربين أنه يخشى الوصول الى هذا الدرك فهو كان يعلم خطورة ما يقوم به في الوقوف على تقاطعات هامة بين لعبة السياسة والأمن، بمعناها الإستراتيجي وليس التكتيكي، وحتى بوجهها العسكري.

ما يوضحه مطلعون على تلك التقاطعات في المجال الأمني هو أن العميد الحسن لم يقتصر عمله على ملاحقة العصابات من موقعه كضابط في الشرطة بل كان يرأس جهازاً استخبارياً استحدث ليكون في مقدمة الأجهزة التي يتناول عملها المعلومات الأمنية بما يخدم مصالح سياسية وجهوية لشخص أو تيار بعينه وتشكيل «قوة ضاربة» له، بالإضافة الى تلك المتعلقة بعمليات الإغتيال التي طالت الداخل اللبناني وشخصيات البلد وفي مقدمتها اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 وما يتصل بذلك من تداخلات إقليمية ودولية إن عبر المحكمة التي شكلت لمتابعة هذه القضية أو عبر أجهزة الإستخبارات التي كان دورها واضحاً في تدوير زواياها وتركيب الملفات ناهيك عن ما برز من دور لـ»إسرائيل» باعتبارها كانت ممراً أو مقراً لكل ملفات التحقيقات التي أجريت حول إغتيال الحريري وما صدر من اتهامات بحق مكون لبناني كان الهدف الوحيد منها التأسيس لفتنة مذهبية تشكل أرضية في الحرب الدائرة بينه وبين «إسرائيل» على المستويين الامني والعسكري.

لم تكن مهمة العميد الحسن سهلة على كل الصعد التي خاضها، إلا أن الفرز الطائفي والمذهبي لعب دوراً كبيراً في تحويل لبنان الى ساحة مفتوحة للإغتيالات بكل الإتجاهات، ولعل هذا العامل هو الأخطر الذي تستغله «إسرائيل» في اللعبة الأمنية التي تخوضها ضد لبنان والمنطقة لكن المؤسف أن العديد من القوى في لبنان سرعان ما تنزلق في ممارسة هذه اللعبة القذرة التي نفترض أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لا ينزلق إليها بعد أن كرر خلال مؤتمر صحافي عقده السبت بعد سلسلة اجتماعات في القصر الجمهوري لبحث تداعيات إغتيال الحسن كلمة «طائفتي»اكثر من خمس أو ست مرات، معتبراً من موقعه أن من استهدف هو الطائفة السنية التي ينتمي إليها وليس البلد الذي يرأس حكومته باسم جميع اللبنانيين.

هذا المنزلق الخطير لم يسبق ميقاتي إليه أي رئيس حكومة قبله وإن مارس بعضهم ذلك خفية، لكن ما فعله ميقاتي بإعلانه هذا قد كشف من خلاله الساحة أمام أزمة كانت ما زالت تعالج بهدوء من قبل جميع الأطراف السياسية والدينية الإسلامية والمسيحية المعنية وغير المعنية بذلك.
صحيح ان ما فعله ميقاتي كان تحت ضغط حدث الإغتيال الكبير الذي استهدف العميد الحسن، لكنه ساهم في تأجيج هذه الحالة التي تهدد لبنان بكيانه والتي باتت مواجهتها من أكثر موجبات العمل السياسي والثقافي والإجتماعي بكافة مستوايته، في حين أن ما أمعن فيه رئيس الحكومة في المؤتمر الصحافي نفسه هو ربطه عملية الإغتيال بملف سماحة وما يؤشر اليه ذلك باتجاه سورية وقياداتها ما يشكل أيضاً انزلاقاً كبيراً يجب تداركه عملياً وليس كلامياً بأسرع وقت ممكن.

إغتيال الحسن كالإغتيالات التي سبقت وفي مقدمتها اغتيال الرئيس الحريري، لم ترتكب لتكتشف على ما يقول خبراء أمنيون استراتيجيون خصوصاً في بلد مثل لبنان تتوزع فيه المسؤولية الأمنية بين الطوائف والمذاهب، ويعودون بالذاكرة الى مؤتمر الطائف نفسه الذي قسّم البلد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين كما قسمها في داخل الطائفتين، ويومها تم تأسيس جهاز أمن الدولة ليكون ذراعاً أمنية تنفيذية للمسلمين الشيعة في مقابل مديرية الأمن العام التي كانت محسوبة للموارنة، ثم تم تبادلها لاحقاً مع أمن الدولة بين الشيعة والموارنة، ومديرية الأمن الداخلي التي يقودها ماروني أو سني تاريخياً والتي انحصرت بيد السنة في السنوات العشر الأخيرة وتم فيما بعد ضم فرع استخباري لها هو «المعلومات» الذي رأسه العميد الحسن منذ تأسيسه والى حين اغتياله، ليشكل ذلك كله أرضية خصبة جداً للادعاء بأن الأجهزة الأمنية اللبنانية تخوض الحرب الأمنية باسم طوائفها انسحاباً على اختلافهم السياسي محلياً وإقليماً ودولياً في ظل مرحلة تسودها الإنقسامات الحادة ورؤية تقوم على ضرورة إعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة بعدما استنفذت خارطتها القديمة على مدى 100 عام تقريباً من الآن.

اغتيال الحسن جاء بحجم التقاطعات التي كان يقف عندها وليس أقل من ذلك، كما كان اغتيال الرئيس الحريري منذ 7 سنوات، ولا يصح النظـر اليه بغير هذه الوجهـة التي لا تخـدم إلا العدو «الإسرائيلي» في نهاية المطاف مهما تعددت مسالكهـا.  

السابق
وفاة شاب من كترمايا بعد إصابته أمس في وادي الزينة
التالي
فؤاد السنيورة.. مبروك!