3 عوامل ترجّح بقاء النظام

رتياح نسبي يسود حلفاء دمشق في لبنان حيال وضع النظام السوري ورأسه بعد سنة وثمانية أشهر على اندلاع الثورة السورية، واشتداد الضغوط الدولية عليه. ومرد هذا الارتياح ما رشح عن تقييم روسي – إيراني لمجريات الأزمة السورية من مختلف جوانبها دفعت بالحليفين الرئيسيين إلى الخروج بجملة استنتاجات. أول هذه الاستنتاجات أن وضع النظام السوري ليس سيئاً ولا يزال قادراً على الصمود، بعدما كان تسرب القلق والشك إبان معركة حلب واشتداد الضغط على القوات النظامية في الأرياف من إمكانات تصدع بنيتها وتراجع قدراتها العسكرية، رغم الدعم التقني واللوجستي والعسكري الذي تقدمه موسكو وطهران، إضافة إلى «حزب الله» الذي بدأت مشاركته على الأرض تتحول علانية.

أما ثاني الاستنتاجات ذات التأثير المباشر وغير المباشر على النظام، فيتمثل بالقلق الدولي من التقارير الأمنية والاستخباراتية التي تتحدث عن تسلل عناصر من القاعدة وأنصارها ومجموعات متطرفة إلى سوريا ومشاركتها في القتال بأسلحة متطورة في صفوف المعارضة المسلحة، ويستشهدون بموقف البنتاغون على لسان وزير الدفاع ليون بانيتا، وتحذيره من مغبة تزويد المعارضة بالأسلحة النوعية ووقوعها في يد هذه الجماعات، وبممارسة واشنطن ضغوطها على الدول الداعمة للمعارضة لعدم مدّ المعارضة بتلك الأسلحة عبر دول الجوار. ويرتكز ثالث الاستنتاجات على أن الولايات المتحدة دخلت مرحلة الشلل السياسي – العسكري في ربع الساعة الأخير من الانتخابات الرئاسية، ما يعني استحالة حصول أي تطور في ما خص الأزمة السورية قبل انتهاء الانتخابات الأميركية، وتشكيل الرئيس لإدارته الجديدة التي لن تكون ذات فعالية قبل بداية السنة المقبلة. ومن الاستنتاجات أيضاً أن المجتمع الدولي لم تتولد لديه القناعة بوجود بديل عن النظام الحالي، خصوصاً أن المعارضة - على الرغم من احتضانها العربي والتركي والغربي - لم تقدّم نموذجاً قادراً على منح الثقة بإدارة مرحلة ما بعد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

تلك الاستنتاجات تقود بالحليفين الروسي والإيراني إلى ضرورة تطوير استراتيجية المواجهة على الساحة السورية، التي من شأنها أن توفّر هامشاً أوسع من المناورة، وتحسّن موقعهما، بحيث لا يضطرا إلى حرق المراحل وتقديم التنازلات، وتمنحهما مزيداً من الوقت إلى حين تأتي ساعة التفاوض الجدي لإنهاء الصراع الدائر في البلاد، في ضوء المعطيات الراهنة التي تؤشر إلى فرص إطالة بقاء الأسد وأمد نظامه لفترة أطول. وانطلاقاً من ذلك، بدأ العمل على وضع خطة جديدة ترتكز على عدم تشتيت قدرات القوات النظامية عبر انفلاشها في طول البلاد وعرضها، ولا سيما أن الأسد أقر بصعوبة الحركة في الأرياف التي وصفها بالبيئة المعادية لنظامه، إنما حصر معركتها راهناً باستعادة السيطرة على المدن الكبرى، وتقطيع الأوصال بين المحافظات لمنع وصول الإمدادات إلى المعارضة وتواصلهم. وتندرج، في هذا الإطار، معركة الحسم في حمص لقطع الإمداد عن دمشق وحماة. وتهدف الخطة الجديدة في جانب منها إلى العمل لإعادة سيطرة القوات النظامية على المعابر الحدودية، ولا سيما مع تركيا، التي أضحت في يد الجيش السوري الحر. وفي هذا الإطار، كشف مطلعون أن موسكو حضّت الأسد على استعادة المعابر مع تركيا، وإن اقتضى الأمر إدخال قوات مؤللة واستخدام الطيران الحربي في المنطقة الحدودية، التي يفترض - وفق اتفاق مع السلطات التركية - أن تكون خارج العمليات العسكرية بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية. ويعزو هؤلاء موقف روسيا إلى اقتناعها بأن أنقرة لن تعمد في هذا الوقت الضائع، حيث حال الشلل الأميركية، إلى الإقدام على أي عمل عسكري كبير يقود إلى مواجهة عسكرية من دون دعم ومشاركة الناتو، وهو أمر غير متوافر في هذا التوقيت.

في ملخص رؤية حلفاء دمشق في لبنان أن الأسد باق والمعركة طويلة. تلك الرؤية تتقاطع مع معلومات وصلت إلى ساسة لبنانيين من القنوات الاستخباراتية المصرية ترتكز إلى ثلاثة عناصر: أولها، بقاء الأسد بعدما أظهر تماسك بنية قواته النظامية التي تقاتل على الأرض. ثانيها، تفكك المعارضة وإخفاقها في تشكيلها قوة بديلة موثوق بقدراتها من المجتمع الدولي. أما ثالث هذه العناصر وأهمها، فهو استمرار وجود فيتو إسرائيلي على إسقاط الأسد من زاوية مخاوف تل أبيب من تمدد الجماعات المتطرفة وسيطرتها ما بعد الأسد، وهي تستند في معارضتها على التقارير التي تتحدث عن تحول سوريا ملاذا لعناصر جهادية سلفية، الأمر الذي يترك ظلالاً ضبابية على المنحى الذي ستسلكه الأزمة السورية.

لكن اللافت في تطورات الأزمة السورية، تلك المعلومات التي تتوافر من كواليس القيادة الممسكة بالعمليات داخل النظام السوري للمرة الأولى عن حجم الخسائر في صفوف القوات النظامية، والتي تتحدث عن مقتل نحو عشرين ألف عسكري وألفين وخمسمائة ضابط، واعتبارها أن هذه الفاتورة الباهظة تم دفعها في إطار حماية النظام ومرتكزاته كما هو راهناً، وليس للوصول إلى حل يستند إلى عملية إصلاح سياسي تتولاها حكومة انتقالية بقيادة شخصية معارضة أو شخصية من النظام تقبلها المعارضة، ذلك أن طبيعة الحكم القائم في سوريا يقوم على المعادلة التالية: إما بقاء النظام بكليته وإما ذهابه بكليته. تلك المعادلة يقودها بقوة قائد الفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري ماهر الأسد الذي يقول أصدقاء لبنانيون له يلتقونه على الدوام: إنه يدير اللعبة وسيكون في المرصاد لأي محاولة قد تؤول إلى أنصاف حلول أو انتقال للسلطة!.
 

السابق
لكن الوقت في مصلحة منتحلي الصفة
التالي
إضراب تذكيري للتنسيق يشل البلد