تحية لمن يستحضره الميدان

… ولما انتبه الناس إلى حقيقة أن غيابهم هو الذي مكّن للاستبداد عادوا إلى «الميدان» حيث تعوّدوا أن يلتقوه فيسمعوا منه جدول أعمال غدهم. رفعوا صوره، وهتفوا باسمه متجاوزين جيلين من الغياب. أسقطوا كل الذين جاءوا بعده فحاولوا تزوير هوية مصر وشطب دورها وأذلوها أمام عدوهم الذي ما زال وسيبقى عدوهم، واستحضروه كدليل لطريقهم إلى غده. 
حتى «الخصم التاريخي» الذي رفعه انقسام الثوار وتعدد فرقهم إلى السدة وجد نفسه مضطراً إلى التمسّح باسمه وهو يخاطب «العالم الثالث» الذي، مع «ناصر ونهرو وتيتو»، فرض نفسه طرفاً رئيساً في القرار الدولي، مستعيداً للشعوب كرامة قرارها الوطني.

… ومع المحنة التي تكاد اليوم تذهب بسوريا، دولة وشعباً رائداً للعروبة التي تعني فلسطين وتعني التحرر والاستقلال والمنعة ووحدة الأمة، استذكر السوريون الذين يكادون الآن يغرقون في دمائهم، القائد التاريخي الذي هبّ لنجدتهم، وارتضى أن يفرضوا عليه «الوحدة» التي كان يدرك أنها ستؤلّب عليه العالم جميعاً بوصفها فجراً لعصر عربي جديد لا مجال فيه لإسرائيل العنصرية ولا للهيمنة الأجنبية بعنوان أميركي، ولا لطغيان الدول التي قامت بالسيف ثم مكّن لها النفط والحماية الخارجية.

اليوم، في الذكرى الثانية والأربعين لغيابه الذي جاء، بمصادفة قدرية، في اليوم الأسود لانفصال سوريا عن مصر بانقلاب عسكري آخر، يطل طيف جمال عبد الناصر على الانتفاضات العربية مشعلاً يهدي الخارجين من ليل القمع والتبعية وافتقاد الهوية إلى طريق التحرر الكامل، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، بشهادة التجربة التي أهّلت مصر لأن تكون «القيادة الشرعية» للأمة، لا ترهبها القوة الإسرائيلية بوصفها العنوان المموّه للهيمنة الأميركية، ولا تذلها الحاجة إلى المال مع طاقات شعبها العظيم إبداعاً وإنتاجاً وإيماناً لا يحتاج إلى دعاة جهلة بالتعصب ولا إلى سلفيين يقاتلون الغد فيشوّهون الدين الحنيف ويرجعون الأمة إلى ماضي الفرقة والتيه والاستسلام لجلاديها.
تحية لجمال عبد الناصر الذي بات نوراً هادياً إلى المستقبل.  

السابق
لبنان والمخاطر وأبعاد الأزمة السورية
التالي
أنا محمد الفلسطينيّ