ويكيليكسيون حالتهم بالويل

 

اعتقد الذين امتشقوا سلاح ويكيليكس أول مرة أنهم فجروا في وجه خصومهم قنبلة لن تبقي منهم على قيد الحياة السياسية أحدا . لكن ، سرعان ما صارت حججهم وذرائعهم واهية ، لا سيما بعد أن أصابت القنبلة  أنصار الثامن من آذار بشظاياها.

الويكيليكسية أسلوب فضائحي ، نعتناها ذات مرة بسياسية القال والقيل . ما أتفه السياسيين والإعلاميين الذين يحولون السياسة والإعلام إلى "قال وقيل" . ليس فقط ما أتفههم ، بل هم استمروا يتكاثرون بالرغم من أن الرياح عاكست سفن اتهاماتهم الواهية .

القشة التي كان ينبغي أن تقصم ظهر البعير تمثلت في أن أبواب السجون فتحت ، لكنها فتحت لتستقبل متآمرين وعملاء من صفوف الويكيليكسيين ، الذين تفاجأوا بأن تلك الأبواب ظلت موصدة أمام المتهمين الواردة أسماؤهم في سجلات النظام الأمني .

العلاقة مع أميركا هي التهمة – الفضيحة . لم ينتبه واضعو اللائحة الاتهامية إلى أن عددا لا بأس به من قادتهم ومن ممثليهم في المجلس النيابي وفي مجلس الوزراء حائز على الجنسية الأميركية أو طامح للحصول عليها .

ولم ينتبهوا إلى أن الدبلوماسيين الأميركيين يستقبلون في مكاتبهم سياسيين من كل الاتجاهات ويزورون سياسيين من كل الاتجاهات. فيلتمان ، مادة التهمة الدائمة ، كان البارحة في ضيافة خامنئي في طهران ، وقبلها زائرا في عين التينة . ولم ينتبهوا إلى أن سياسة المصالح هي التي صنعت إيران غيت مثلما سبق لها أن صنعت "مؤامرات" كيسنجر على سبيل المثال .

ولم ينتبهوا إلى أن الأكثر فضائحية هو اعتقادهم أنهم يخترعون البارود إن هم حصلوا عن طريق  الويكيلكس، على معلومات هي من قبيل تحصيل الحاصل ، ولزوم ما لا يلزم . وهل هم يتصورون أن خصمهم السياسي سيكون في الكواليس أكثر رأفة بهم منه في وسائل الإعلام؟ 

ولم ينتبهوا إلى أن استخدام السلاح ذاته في الصراع مع الامبريالية يفسر ويجسد تخلفهم السياسي والفكري والعسكري . ذلك أن أساس العداء لأميركا مرتبط ، في جانب منه ، بوجود الثنائية القطبية، وقد زال هذا الأساس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وتحول العالم إلى أحادية قطبية ؛ وهو مرتبط في جانب آخر بطبيعة العلاقات الدولية ، الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية ، التي أصابتها جملة من التحولات ، من بينها انقلاب العلاقات الحميمة بين أميركا مع بعض القوى، ومن بينها قوى الاسلام السياسي، إلى علاقات جفاء، ومع بعضها الآخر إلى تعاون وثيق محكوم بتقاطع المصالح. 

لا يستقيم العداء لها للأسباب الاقتصادية المعلنة أو المضمرة، لأن بعض خصومها هم من الفاسدين والمفسدين والمستثمرين الذين يمارسون استغلال الأنسان للأنسان بأبشع الصور.

ولا يستقيم العداء لها للأسباب السياسية المعلنة والمضمرة، فهي ليست وحدها " الشيطان الأكبر" ، بل هي رأس النظام العالمي الجديد الذي له حلفاء في الشرق وفي الغرب .ومن باب أولى ، هو لا يستقيم ، في ظل خصومة تضم مروحة من القوى والتيارات السياسية  من  إسلاميين ومسيحيين وعلمانيين ويساريين.

الأهم من كل ذلك أنهم لم ينتبهوا إلى أن العلاقة مع الولايات المتحدة لم تعد تهمة ، بل هي جزء من سياسة تمليها الوقائع المادية والتطورات الملموسة على سطح الكرة الأرضية.

التهمة القاتلة التي لا تصيب أحدا سواهم هي من شقين : الأول هو أنهم يجهلون سبب عدائهم لها ، أو أنهم ، إن عرفوه ، يخفونه عن أنصارهم ، وهم بالتالي مصرون على مقارعتها بصفتها رأس النظام الاستعماري ، ومصرون على استخدام الأساليب القديمة إياها بالرغم من تبدل أشكال السيطرة الاستعمارية . العالم يتغير وهم كجلمود الصخر.

وأخيرا ، إذا كان الويكيلكسيون قد استمرأوا استخدام الأسلوب الفضائحي، ويستخدمونه اليوم للنيل من المناوئين للشيعية السياسية، فإن عليهم أن ينتبهوا إلى أن التطورات التي تحصل في لبنان والمنطقة تبشر بانهيار متسارع لسياسة التهويل التي مورست ضد الذين واجهوا استبداد النظام الأمني وأدواته وامتداداته .      

 

 

السابق
حميد: للتشيث بالارض وتعزير وحدتنا لدرء الاخطار
التالي
لن يسمع استسلامنا…