فوبيا الاغتيالات تعود الى الواجهة.. ما هي الاسباب ؟

هل من دوافع جدية تستدعي حالة الذعر «وفوبيا»الاغتيالات التي تؤرق عيون قيادات قوى 14 اذار؟ وهل من تبرير للحديث مجددا عن مخاطر تستدعي اخذ الحيطة والحذر وتستدعي هروبا منظما لبعض القيادات الى الخارج كما حصل مع النائب انطوان زهرا،او لتبرير «فرار» الرئيس سعد الحريري من البلاد؟ وهل الاجراءات الامنية المبالغ بها في محيط النائب وليد جنبلاط ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وكذلك بعض القيادات الامنية تنم عن مخاطر جدية ام مجرد مبالغات لتبرير بعض المواقف السياسية؟ او لاستدراج المزيد من الدعم الخارجي؟

بعيدا عن «انتهازية» البعض واستفادتهم من تكبير حجم المخاطر المحيطة بهم لتحسين اسهمهم الداخلية والخارجية، ثمة الكثير من المعطيات التي تجعل تلك التهديدات جدية بالنسبة لعدد من تلك الشخصيات وليست مجرد «بروباغندا» اعلامية، وبحسب اوساط خبيرة في الشأن الامني فإن مشكلة هؤلاء انهم تورطوا في «لعبة امم» تتجاوز احجامهم الطبيعية، واذا كانت الساحة اللبنانية تحتمل تضخيما لدور بعض الشخصيات في اللعبة الداخلية، فان التورط بأزمة المنطقة وفي رسم خرائطها الامنية والسياسية يحتاج الى «اوزان» من العيار الثقيل وهي غير متوافرة لدى الكثير من القيادات اللبنانية المتورطة فعليا في الازمة السورية.
وبرأي تلك الاوساط، ادى طول امد هذه الاحداث الى زيادة المخاطر على هؤلاء الذين وعدوا بعملية حسم سريعة في سوريا، مما كان سيؤدي الى انتفاء المخاطر المترتبة على الخدمات العملية التي قدموها للمساهمة في اسقاط النظام، ولان «دخول الحمام ليس مثل الخروج منه» فان الكثير من هؤلاء بدأوا يتحسسون رؤوسهم نتيجة تجاوز الصدام بين تحالفين كبيرين في المنطقة خطوطا حمراء لم يجر تجاوزها في الماضي، كما ان معطيات جديدة حول صراع بين الحلفاء بدأ يثير الذعر لدى هؤلاء.

فالمعطيات المتوفرة لديهم ان الازمة السورية تمر الان في مرحلة مفصلية تشهد تنازعا محموما بين فرص التسوية والمبادرات السياسية وبين استمرار التصعيد العسكري بين معسكرين لن يتوان اي منهما عن استخدام اوراقه لتحسين فرصه في التفاوض او في الانتقال الى موجة جديدة من العنف،وفي كلا الحالتين تخشى تلك الاطراف من الاحتمالين، فالتسوية تعني ان الاطراف الاقل تاثيرا تدفع دائما الثمن الباهظ للتسويات كما ان اتجاه الامور نحو المزيد من العنف تعني ان «وجبة» جديدة من «اللكمات» سيجري تبادلها بين اطراف النزاع وهنا ايضا يدفع المتورطون الاقل شأنا ثمنا باهظا كونهم يستخدمون كالعادة «صندوق» بريد بين جهات تضحي عادة باوراقها الصغيرة وتوجه رسائل بالغة الدلالة عبر هؤلاء دون ان تقطع «شعرة معاوية» مع الطرف الاخر،وكل ما في الامر انها تريد جذبه الى طاولة التفاوض تحت الضغط الميداني. وهذا يعني بشكل مباشر استخدام كافة الاساليب المشروعة وغير المشروعة لتسديد ضربات موجعة للخصم،وهذا يعني ان كل الشخصيات المتورطة باتت في دائرة الخطر خصوصا مع دخول الازمة مفصلا جديا سيكون له ما قبل وما بعده.

وتلفت تلك الاوساط الى ان المخاوف من رد فعل «الخصوم» متوقعة وهي قد تكون جزء من حرب نفسية او تكون جدية، ولكن المعطى الجديد الذي يجعل قيادات 14 اذار المتورطة اكثر ذعرا، هو الخلاف بين الحلفاء المفترضين حول الازمة السورية والخوف كبير في هذه المرحلة من ازدياد الشروخ في هذا المعسكر مع خروج التباين الاميركي التركي الى العلن، وكذلك صراع النفوذ المتمادي بين قطر والسعودية حول ادارة الملف سياسيا وميدانيا.

وبحسب المعطيات المتوافرة فإن المشكلة الرئيسية تكمن في «قلة»الثقة بالطرف الاميركي والقلق من عملية تخاذل جديدة من قبل واشنطن يدفع ثمنها حلفاؤها في المنطقة، فغياب المؤشرات على استعداد الاميركيين للذهاب بعيدا في اسقاط النظام السوري،بفعل الخوف من المد الاسلامي عززتها الشروط الاخيرة التي حملها قائد الجيوش الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الى المسؤولين الاتراك رابطا فيها مساعدة واشنطن لانقرة بحربها ضد المقاتلين الاكراد، بتعهد تركيا مقاتلة القاعدة في سوريا والاتفاق على فترة ما بعد الاسد يكون عنوانها الرئيسي اشراك البعث والمسيحيين في السلطة، وهذا يعزز الانقسام بين الحلفاءويؤكد ان لواشنطن اجندة اخرى تختلف عما يريده الاتراك الذين اعتبروا الامر فخا، وعما يريده الخليجيون من حكم اسلامي صافي رغم الاختلاف بينهما على الطرف المخول لادارة البلاد بعد الاسد.
وتشير تلك الاوساط الى ان المخاوف تصاعدت في الاونة الاخيرة بعد ان تجاوزت الخلافات مجرد الرؤى السياسية بين الحلفاء، وبرز اكثر من صدام ميداني على الارض بين مجموعات ذات ارتباطات اقليمية ودولية مختلفة، وتطورت اتهامات متبادلة بالتخوين بين عناصر من «الجيش الحر» واخرى سلفية الى اشتباكات على الارض، وكذلك برز نفور واضح بين مجموعات تابعة للاخوان المسلمين واخرى تابعة لمجموعات اسلامية يقودها سلفيون من المغرب العربي، كما رفضت الاستخبارات الاميركية والاوروبية التعاون مع اكثر من مجموعة عسكرية تتلقى الدعم من تركيا. واذا كان هذا البعد لا يؤثر بشكل مباشر على القيادات اللبنانية المتورطة الا انه يعكس حجم التصدع في هذا التحالف الذي انتقل الى مستوى شديد الحساسية مرتبط بالملف الامني المشترك للعمليات، وهو المؤشر الاكثر اثارة للذعر لدى تلك القيادات.
ولعل اكثر المؤشرات المقلقة لدى فريق 14 اذار هو ما حصل قبل ساعات من «حرق» متعمد لورقة نائب تيار المستقبل عقاب صقر والكشف عن دوره السري الذي يقوم به في دعم المجموعات السورية المسلحة. والذعر هذه المرة مرده الى ان هذه الاتهامات لم تصدر عن جهات سورية داعمة للنظام او عن الحلفاء في بيروت وانما من مجلة «تايم» الاميركية المعروفة بارتباطاتها الاستخباراتية مع «السي اي ايه».

ومكمن الخطورة ان هذا التقرير الذي نشرته تحت عنوان «رجل السعودية في اسطنبول»، انه كشف بشكل كامل عن تورط تيار المستقبل في عملية تسليح المعارضة،وكلام المجلة عن وجود صقر في جنوبي تركيا في آب الماضي، واصرارها على تاكيد ذلك عبر ذكرها انها وجدت اسمه مدرجا على لائحة حجوزات احد الفنادق في المدينة، يثير اكثر من علامة استفهام حول خلفيات هذا التقرير،كما تقصدت المجلة المعروفة بمصادرها الموثوقة التحدث عن اشراف صقر على توزيع الاسلحة وبينها 50 ألف رصاصة كلاشينكوف، وعشرات القذائف الصاروخية لأربع مجموعات مختلفة في الجيش الحر في محافظة إدلب على الأقل، فضلاً عن كميات أكبر لمناطق أخرى من بينها حمص،كما كشفت عن عن لقاءاته الاتنقائية بعدد من القياديين الأمر الذي سبب مشاكل بين «الثوار» وادى الى انقسامات خطيرة سببها الخلاف القطري السعودي حول تلك المجموعات.

هذه المعطيات تشير بشكل واضح الى وجود صراع بين الاجهزة الامنية المعنية بادارة ملف الازمة السورية، والكشف عن تفاصيل تورط صقر يعد رسالة بالغة الخطورة يفهمها العاملون في المجال الامني جيدا، وهذا يوازي «التصفية الجسدية» لدور كان يقوم به صقر في الظلام ومجرد الاضاءة عليه من مصادر موثوقة ومن «الاصدقاء»، يعني عمليا انتفاء الحاجة اليه وعدم الرغية في التعامل معه وكذلك عدم الرضى عن الاجندة التي يعمل من خلالها. وهذا الامر يفتح الباب امام تداعيات خطيرة اذا ما خرجت الامور عن السيطرة ودخلت تلك الاجهزة في صراع مفتوح قد تكون خسائره فادحة ومكلفة لكل من تورط في هذه العملية.

وبراي تلك الاوساط تبدو مخاوف بعض قيادات قوى 14 اذار مبررة ولا يمكن لومها بعد ان اصبحت بين «سندان» الخوف من انتقام النظام السوري و«مطرقة» الحرب المستجدة بين الحلفاء، وخشيتها من ان تكون «فرق عملة» لصراع يفوق قدراتها يبدو في مكانه، اما اثارة الغبار حول وجود الحرس الثوري في لبنان من عدمه،والتنافس على انتقاد الامين العام لحزب السيد حسن نصرالله، وغبطة وليد جنبلاط بالاتفاق على «النأي» بالنفس رسميا في جلسة الحوار، كلها مواضيع خارج السياق ومن باب «الترويح عن النفس»، لان دخول الازمة السورية في مرحلة «حرق الاوراق» سيعني ان امام تلك القيادات «اوقات عصيبة».  

السابق
سواك مساء وغفو
التالي
نصف عارية على غلاف مجلة