نجاحات مبدئية لرئيس مصر “الإخواني”!

 لا يزال من المبكر جداً الحكم على تجربة "الإخواني" محمد مرسي رئيساً لجمهورية مصر العربية. لكن ذلك لا يمنع تقويم حركته الرئاسية والقرارات التي اتخذ، كما المبادرات الاقليمية والدولية. وفي تقويم كهذا يبدو مرسي رئيساً قادراً عارفاً ماذا يريد وماذا لا يريد، ماذا يقبل وماذا يرفض، وكيف يترك للزمن وللظروف ولتطورات الداخل المصري والخارج الاقليمي – الدولي مهمة حل المشكلات التي لا يستطيع حلها الآن، او التي لا يستطيع اتخاذ مواقف نهائية منها. فهو من ناحية الغى وبقرار مهم وجريء الثنائية في حكم مصر، والبعض يقول الاحادية، وذلك عندما اتخذ قراراته المتعلقة بالجيش المصري وبالمجلس الاعلى للقوات المسلحة مع استمرار احترامه التام لهذه القوات ولامتيازاتها غير العسكرية الذي اعتبره البعض تمسكناً في "انتظار التمكّن". ذلك ان مرسي تصرف إنطلاقاً من ان الرئيس هو المرجع الدستوري الاول في البلاد، ومن ان السلطة التنفيذية التي يمثلها هي مصدر القرار بالنسبة الى "العسكر" سواء في السياسة او الأمن او الاقتصاد الذي صار ثلثه تقريباً من مسؤوليتهم في اثناء الحكم الطويل لسلفه في الرئاسة. ومن ناحية اخرى قام مرسي بتحركين داخليين لهما ابعاد ومغاز اقليمية ودولية مهمة وذات دلالة. فهو من جهة اكد عملياً للدول الكبرى وفي مقدمها اميركا، وبعد تأكيدات شفهية عدة، التزامه عملياً مكافحة "الارهاب الاسلامي" الذي صار احد اكبر الاخطار على عالم اليوم. وكان ذلك بإصداره هو "الإخواني المسلم" القرارات اللازمة للقوات المسلحة بالتحرك القوي في شبه جزيرة سيناء لوضع حد لإرهاب منظمات اسلامية متشددة جهادية وتكفيرية في آن واحد. وقد نُفِّذ بعض هذه القرارات بنجاح، والتحرك مستمر لتنفيذ ما تبقى منها، وفي الوقت نفسه لإبقاء المنطقة المذكورة بمنأى وفي صورة نهائية عن هذا النوع من الارهاب والقائمين به. ولم يبالِ بالخرق المحسوب والمحدود الذي قام به لمعاهدة السلام مع اسرائيل في اثناء عملية سيناء، لأنه يعرف ان استقرار هذه المنطقة مفيد لمصر ولاسرائيل وللفلسطينيين كما للمنطقة والعالم. ومن جهة ثانية عيّن مرسي اخيراً سفيراً جديداً لمصر في اسرائيل، وأثبت ذلك بالفعل انه "صادق" في التزامه احترام معاهدة السلام بين الدولتين الذي اكده لاميركا وغيرها من الدول الكبرى، علماً ان الالتزام لا يعني غياب رغبة عنده في البحث مع مسؤولي اسرائيل وبرعاية اميركية في تعديلات لها تقوّي السلام ولا تكون على حسابه.

اما على الصعيد الاقليمي والدولي، فقد قام رئيس جمهورية مصر العربية "الإخواني المسلم" الملتزم بتحركين مُهمَّيْن جداً لمصر ودورها في المنطقة كما له رئيساً وللذين انتخبوه وفي مقدمهم "الإخوان المسلمون". الأول تخصيصه الصين بأول زيارة رسمية له بوصفه رئيساً لجمهورية مصر، فبذلك أظهر حرصاً على تنويع علاقاته الدولية وتحديداً الكبار فيها. فبلاده كانت حليفة اميركا على مدى عقود، وستبقى كذلك على الارجح، لكنه يريد اليوم ان يُمتّن علاقة كانت قائمة ايام الراحل عبد الناصر مع الصين، كي يحقق لها بواسطتها مكاسب اقتصادية ضخمة هي التي تحتاج الى الكثير من العناية على الصعيد الاقتصادي، وكي يظهر أكثر للعرب الذين يطمح الى إعادة دور مصر القائد لهم انه ليس محسوباً على جهة دولية واحدة، وانه قادر على إقامة علاقات متوازنة ومثمرة مع كل الاقطاب في العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. أما التحرك الثاني فكان مزدوجاً، إذ زار الجمهورية الاسلامية الايرانية واشترك في قمة دول عدم الانحياز التي استضافتها، أي زار دولة لبلاده معها خصام مزمن وربما عداء وتنافس في وقت واحد، وهو يعرف انها تطمح لعلاقة جيدة مع مصر تحقيقاً لمصالح معينة لها، ولا ممانعة عنده لذلك. لكنه ليس متسرعاً ولا مستعجلاً، إذ اطلق مبادرة نظرية قبل الزيارة هي قيام مصر وتركيا والسعودية وايران بالعمل معاً للمساعدة في الازمة السورية، ولم يبحث فيها ملياً مع المسؤولين في طهران. ثم أكد بعد عودته من طهران استمرار التزامه بها. وهنا لا يمكن إلا الإشارة الى تحرك دولي آخر يعتزم مرسي القيام به وهو زيارة واشنطن للتباحث مع رئيسها والمسؤولين الكبار فيها في اوضاع مصر واسرائيل وفلسطين وايران وسوريا والمنطقة كلها وفي دور بلاده الاقليمي.

هل يلغي التقويم الايجابي المفصّل أعلاه الاحتجاجات المصرية المتنوعة على سياسته، وأهداف التنظيم "الإخواني" الذي ينتمي اليه؟ وهل الاحتجاجات المذكورة في محلها؟ وهل ينجح مرسي وفي سرعة في اعادة دور مصر الرائد عربياً وإسلامياً؟

المصدر: صحيفة النهار اللبنانية

 

 

السابق
فابيوس: لا يمكن إدراج حزب الله على لائحة الارهاب الا بعد محاكمته
التالي
مقاومة ضدّ مقاومة