رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأسد

– الأسد: لمن يستمع؟
عزيزي الرئيس
شاهدنا مقابلتك على فضائية "الدنيا". الاستنتاج الوحيد الذي خرجنا به منها هو أنك، وعلى رغم مرور سنة ونصف السنة على الانتفاضة، لاتزال تراهن على الحلول العسكرية- الأمنية، وتستبعد أي تسويات سياسية إلا تحت مظلة هذه الحلول وشروطها.
أسمح لنا يا سيادة الرئيس أن نصارحك بالتالي:
أولاً، الحل العسكري انتهى أجله ولفظ أنفاسه. فمالم تستطع أن تفعله خلال 18 شهراً متواصلاً مما تسميه "الحرب الحقيقية" في البلاد، لن تتكمن من فعله في الاشهر لابل في السنوات المقبلة. فالشباب السوري، الذي هو وليد مابات يُسمى "طفرة اليافعين الديمغرافية" ( Demographic Youth Bulges), هم الذين يجعلون من هذه الثورة ثورة.
هؤلاء الفتية، على عكس ماتعتقد وتقول، ليسوا إرهابيين ولا عملاء لتركيا والسعودية وأميركا، بل هم جزء من ظاهرة ديغرافية عربية شاملة قوامها التالي: ارتفاع كبير في أعداد االشباب (بالمقارنة مع معدلات الأعمار الأخرى) من جامعيين لايجدون عملا، ومزارعين أو ريفين لا يحصدون في حقولهم سوى الخيبة وفقدان الأمل بعيش كريم، ومثقفين لم يعد لديهم استعداد، كما آبائهم وأجدادهم، لمقايضة الحرية الفردية وحقوق الإنسان بشعارات تحرر الأمة الخالدة، والمقاومة والممانعة، والعداء الاسمي لإسرائيل.
كل هؤلاء يا سيادة الرئيس يرقصون على إيقاع ثورة المعلومات والاتصالات التي جعلت من ثورتهم أمراً ممكنا، تماماً كما أن توفُّر المطابع والكتب كانت وراء نجاح شباب فرنسا في إشعال ثورة 1789.
كل هؤلاء لن يعودوا بعد الآن إلى منازلهم قبل تحقيق أهدافهم في الحرية والخبز والكرامة الإنسانية. وإذا كنت لاتصدّق بعد هذه الحقيقة، يكفيك أن تتتفرّس في وجوه الشباب الثوار بعد كل مجزرة ترتكبها دباباتك أو طائراتك، لتدرك أن ثورة الشباب وجدت حقاً لتبقى، وأن عهد امبراطورية المخابرات سقط بالقاضية على يد فتية يفضلون الموت على الخوف.
– II –
ثانياً
، نعلم أن الدبلوماسي المخضرم وليد المعلّم أقنع نفسه وأقنعك بأنك (كما كانت أيضاً جماهيرية القذافي الشعبية الديمقراطية العظمى تعتقد) تتعرّض إلى "هجوم كوني" عليها. قد نفاجئك هنا يا سيادة الرئيس حين نقول لك أن المعلّم على حق!. ثمة بالفعل هجوم كوني لتغيير نظامك او حتى لقلبه. ولو أن والدك حافظ كان حيّاً الآن لأدرك سريعاً هو أيضاً هذا الأمر، لكنه كان سيتصرف بشكل معاكس لما تفعل أنت: بدل أن يضع عينه في وجه هذا المخرز الدولي، كان سيحاول التأقلم معه والنفاذ من ثقوبه.
لماذا كان حافظ سيفعل ذلك؟
لأنه ببساطة سيتطلع حوله، وسيكتشف أن الهجوم عليه جزء من هجوم على باقي أعضاء الطاقم القديم من"النادي الأميركي" في الشرق الأوسط الذي كان يضم، إلى والدك، مبارك وبن على وعلي صالح (والعد مستمر).
أميركا يا سيادة الرئيس قررت، بعد 11 سبتمبر، تغيير دفة سياستها الشرق أوسطية: من الاعتماد على الأنظمة السلطوية إلى الرهان على المجتمعات المدنية، كوسيلة لمكافحة الإرهاب ولذلك النوع المحدد من التطرف الأصولي الذي يهدد مصالحها. وللحقيقة والتاريخ، أوباما منحك العديد من الفرص كي تكون في عداد "النادي الجديد" الذي بدأت تبلوره الآن، لكنك لم تلتقط هذه الفرصة ولم تدرك التحوُّلات العميقة التي حدثت في البيئة الدولية المحيطة ليس فقط بنظامك بل أيضاً بكل النظم العربية.
ثالثاً، أقنعك المعلّم (الذي هزأ من حلف الأطلسي في ليبيا مع بدء العمليات العسكرية) والإيرانيون ومستشاريك في لبنان ميشال سماحة ووئام وهاب، أن العالم انشطر إلى معسكرين نهائيين: روسيا والصين من جهة، وأميركا وأوروبا من جهة ثانية، وأن المسألة باتت مسألة وقت قبل أن يتم طرد الغرب بشطريه من الشرق الأوسط بزعامة إيران.
حسنا. ربما يتبيَّن لك الآن أن هذا وهم داخل وهم. فروسيا لاتريد لاحرباً باردة جديدة ولاسباق تسلح مع أميركا، بل تسعى إلى حجز مقعد لها في قمرة قيادة العولمة الأميركية (وهي خطت الخطوة الأولى نحو ذلك عبر قبولها مؤخراً في منظمة التجارة العالمية). وكذا الأمر بالنسبة للصين التي تضع الأولوية المطلقة للنمو الاقتصادي، ولاتمارس الفيتو من أجلك في مجلس الأمن سوى لـ"مداعبة" ذيل الذئب الأميركي وابتزازه.
أجل. النظام العالمي متعدد الأقطاب الأقطاب آتٍ لامحالة. لكن ليس الأن. ربما بعد عقدين أو ثلاثة حين تستكمل الصين نهضتها الكبرى، وتنضم إليها الهند واليابان لإعادة صياغة هذا النظام الجديد؛ وأيضاً بعد أن "تغرق" أوروبا في قعر المحيط الأطلسي وتُيمم أميركا وجهها تماماً نحو المحيط الباسيفيكي.
وفي هذا السياق، لاتستغرب يا سيادة الرئيس أن يبيع الروس والإيرانيون رأسك في أي لحظة بثمن معقول، إذا ما شعروا أن موعد الصفقات أزف، خاصة وأنهم بدأوا يتحدثون في مجلسهم الخاصة عنك بتعابير سلبية للغاية.

– III –
الآن، إذا ماجمعنا كل هذه العوامل معاً، سينبثق منها فوراً سؤال كبير: لماذا تواصل القتال، وأنت تعلم (أو هكذا يفترض) أن النصر بات مستحيلاً، وأنك فقدت حظوتك السابقة مع الجميع تقريبا، وحتى مع إسرائيل التي قال قريبك رامي مخلوف أن أمنها من أمن النظام، حيث ذُكِر أنها تتشاور مع روسيا لإيجاد بديل لك.
إذا ما كنت قد قررت ألا تكون من "أشباه الرجال" الذين اتهمتهم بالجبن في حرب 2006، فهذه شجاعة قد تشعرك بالسعادة داخلياً. لكنها قد تؤدي بك إلى التهلكة، أو إلى محكمة الجنايات الدولية (كما سلوبودان ميلوسوفيش وزميله ملاديتش)، أو إلى المقصلة، لأنها في الواقع ليست شجاعة بل تهوّراً مجنونا. والدك لم يكن ليفعل ذلك أبدا.
إذا ما قررت الانتحار يا سيادة الرئيس، فهل يجب أن تجر معك إليه أولادك وزوجتك وعائلتك، وأطفال وعائلات طائفتك وسورية برمتها؟
تعالى يا سيادة الرئيس عن أساطير الشجاعة وأوهام نظام دولي جديد لن يولد في أي وقت قريب، وانزل إلى عالم الواقع. فهذا العالم سينبؤك سريعاً بأن كل أنين طفل، ونحيب كل أم ثكلى، ونقطة دم أي شاب سوري، أصدق أنباء من الأنا ( Ego) التي حين تبدأ بالتضخمم لاتنتهي إلا بقتل صاحبها.
ويبدو، من أسف، يا سيادة الرئيس أن "أناك" بدأت تُفلت من عقالها، فلم تعد ترَ من الواقع سوى ما تريد أن تراه، تماماً كما حدث من قبل مع العقيد القذافي عشية مصرعه المريع والمأساوي.

سعد

السابق
السيد: قضية رفيق الحريري تحولت مـن حـق إلـى مهـزلة قضائيـة
التالي
«رســالة من لاجئ فلسطيني الــى لاجئ سوري»