لعنة الغطاء السياسي

ما هو القاسم المشترك بين هيغل والتركيبة السياسية في لبنان؟ شيء واحد من دون أن يكون السياسيون من تلاميذ الفيلسوف الكبير: ممارسة السياسة بما يشبه قوله في النقاش الفلسفي إن كل ما هو واقعي معقول. والمعنى الواقعي للتسليم بذلك هو أنه لن يتغير شيء في العالم نحو الأفضل. وهذا ما سماه ماركس بؤس الفلسفة، حيث الهم هو تفسير العالم الذي يحتاج الى التغيير. أما بؤس السياسة عندنا، فإنه التبرير بأبسط أنواع التفسير لإغلاق الطريق على التغيير.
ذلك أن الظلم واقعي، لكنه ليس معقولاً. والفقر واقعي لكنه ليس معقولاً. كذلك خطف الأبرياء وانتشار السلاح والتقاتل به.

الشحن الطائفي والمذهبي واقعي لكنه ليس معقولاً. والغطاء السياسي للمخلّين بالأمن وقطاع الطرق واقعي لكنه ليس معقولاً. كذلك أن نخسر سنوياً ملياري دولار على الكهرباء وتبقى مقطوعة وبلا حلول على مدى عشرين سنة، وأن نتفرج على الفساد ونأتي بالفاسدين الى السلطة ونجعلهم نجوماً، حيث المال هو الطريق الى السلطة التي هي أيضاً الطريق الى المال.
أليس أقصى ما نسلم به هو أن تستمر الهدنة الهشة في طرابلس وأن نسميها عودة الى الوضع الطبيعي مع انها عودة الى الوضع اللاطبيعي، لأن وجود السلاح في حد ذاته ولو من دون استعماله هو نفي لأبسط مفاهيم الدولة والحياة المشتركة؟ ألسنا في لعنة اسمها الغطاء السياسي، حيث الدولة في العراء، وكل أشكال ما قبل الدولة مغطاة؟ أليست الجريمة السياسية التي تعطى كل أنواع التبريرات الواقعية وتحاط أحياناً بالقداسة أخطر من الجريمة العادية التي يرتكبها مَن ليس له غطاء سياسي هو في النهاية فئوي طائفي ومذهبي وعشائري؟
ومتى؟ حين يكون لبنان في قلب عاصفة إقليمية تضربه، وهو يتخوف من عواصف ومخاطر آتية لا يعرف كيف يواجهها، ولا يجهل أن الانقسام السياسي حتى على المسلّمات الوطنية هو أول ما يهدد البلد وآخر ما يحميه. وعندما يصبح التخوف من الانهيار الكبير حديث المرجعيات والمواطنين العاديين. لا بالتخيل بل برؤية الوقائع الملموسة. فالقاعدة في أي بلد هي أن الانحدار السياسي والأخلاقي والاقتصادي والثقافي من علامات الأزمنة على طريق الانهيار.
ونحن في قاع الهاوية، لا على شفيرها. وكلما ارتفعت أصوات داعية الى الخروج من هذا الوضع المزري يأتيها الرد: بسيطة، فلا يزال هناك قاع أعمق ونحن نستطيع التحمل. ولا أحد يعرف متى نوقف الانحدار، ولا حتى متى نتخلص من لعنة الغطاء السياسي فوق كل ما هو خطر وخطير لنعيش حياة سياسية وطنية وديمقراطية حقيقية وليس على رؤوسنا غطاء.
  

السابق
متفجرات في الحدث؟
التالي
شعوبية