شعوبية

أخطر ما واجهته الأمة العربية هو تفرق أبنائها بفعل انقسامهم وتعدد مراكز القوى والصراع على السلطة، وكان أن تمزقت بتعرضها لرياح فئوية وطائفية وتدخل خارجي لا يريد لها الاحتفاظ بقوتها وهيبتها، وهذا ما جرى بعد زلزال التباعد في الشرق ووصوله إلى الاندلس من دون أخذ الحذر أو الاعتبار ممن يملكون قرار المنع، لأن الأنانية وحب السيطرة كانا هما الطاغيين وصاحب كلمة الفصل والانفصال.
ولم تستفد دولة عربية في العصرين القديم والحديث مما يحفل به تاريخ هذه المنطقة، والأكثر معاناة هو المستضعف ومن يفتح نوافذ بلاده لرياح سلبية تهب عليه، ويبدو لبنان الوطن الصغير معرضاً منذ العام خمسة وسبعين وما قابله لتشتت قواه وتعدد ميول أبنائه، فالذي حدث على مدى خمسة عشر عاماً وكان يمكن أن ينتهي باتفاق الطائف احتاج إلى اتفاق الدوحة وهو يبحث الآن عمن يستطيع جمع ما تفرق وتوحيد ما هو حاصل ويتلمس طريق الخروج من تباعد أبنائه وأطيافه، والكل غائب عن الاعتراف بخطورة النتائج وهو في حال الوعي الوطني يرى بوضوح أنه يجدّف عكس تيّار التفاهم على حل المشاكل المعترضة.

وما تتعرض له مدينة طرابلس لا أحد من العارفين الا ويخشى توسع دائرته وإن كان القرار بذلك يخيف الجميع، فلا يقدمون على اتخاذه لأنه لن يقتصر بسلبياته على ناحية أو منطقة بعينها ما دام الولاء الداخلي والخارجي مبنياً على المصالح الضيقة والفئوية وهي غير بعيدة عن الشعوبية التي هدمت أوطاناً ودولاً كبرى ولم يتحقق الخروج من المحنة الا بعد ان تم الاتفاق على البناء الصحيح القوي باعتماد الديمقراطية وتبديل مراكز الحكم، فلا ديكتاتورية ولا حكم الفرد الذي استمر أربعة عقود إلى أن كانت النهاية بعد تخلف عن طبيعة العصر وحكم السلطات وتولي كل ما هو مطلوب منه دون تجاوز.

واللافت أن الربيع العربي على ايجابياته وشعود التفاؤل بانبلاج فجره ما زالت دوله الخارجة بثورة شعبية من الظلم والقهر تعاني من التمزق الداخلي واضطراب الأمن نتيجة بروز من يعارض ومن يوالي ليس لمصلحة الوطن بل لما يسعى إليه هذا الطرف أو ذاك من هدف لن يتحقق في ظل التشرذم والانقسام في الرأي والتوجه.
ويكفي ما نشهده في غير طرابلس من تفلت فئات وأفراد من ضوابط القوانين، باقتراف جرائم الخطف والاغتيال والتفريط مجدداً بموسم الاصطياف وإيجاد شرخ بين لبنان وأشقائه لنلتزم بوعي وطني ومسؤولية عن مصير بلد وشعب. ولعل الدرس القاسي الذي أصاب هذه الأمة بمرض قاتل هو الشعوبية يوجب على المعنيين التخلي عن النزعات الفردية والفئوية.  

السابق
لعنة الغطاء السياسي
التالي
فتوى بجلد داعية لتعريضه بشاهين