خطوط 8 آذار الحمراء في طرابلـس

يؤكد فريق 8 آذار وجود «خطوط حمراء لن يسمح بتجاوزها في عاصمة الشمال»، بعدما تبيّن أن الهدف من وراء التصعيد الأمني والسياسي في طرابلس، هو صبغ المنطقة بلون سياسي موحد بعدائه للنظام السوري وحزب الله وإيران
ما حصل في طرابلس هو جولة من جولات مرشحة لأن تتجدد. هذا ما يخشاه العديد من فعالياتها. ويسود انطباع، يرقى إلى مستوى التأكيد، بأن الهدف الأساس من وراء التصعيد الأخير، كان إنشاء منطقة من لون سياسي واحد تشمل طرابلس ومنطقة عكار.

في 8 آذار، تجري مراجعة عميقة لتحليل جولة التصعيد الاخيرة في طرابلس. ثمة قناعة بأن الهدف لم يعد إنشاء منطقة عازلة في الشمال لمصلحة المعارضة السورية. فهذا الهدف تجاوزته على الارض عمليات الجيش السوري في مناطق ريف دمشق وحلب وحمص، ما دحض، عمليا، اي منطق عسكري تستند اليه فكرة انشاء ارتباط لوجستي بينها وبين طرابلس وشمال لبنان.
وتتركز كل الفكرة الان على انشاء منطقة اللون الواحد السلفي والسياسي، المنقادة من جماعات تتوحد على شعار عام، قوامه العداء المذهبي والسياسي للنظام السوري وحزب الله وإيران. وهناك غير مؤشر على هذا الهدف، بينها ما بات معروفا عن زيارات شيوخ سلفيين في طرابلس، لشيوخ وفعاليات طرابلسية مؤيدة للمقاومة، جرت عشية الاحداث وخلالها، تحت عنوان دعوتهم إلى ترك خياراتهم، والانخراط في مشروع «إجماع الأمة» على الهدف الموحد في هذه المرحلة. واللافت بخصوص هذه الزيارات أنها باءت جميعها بالفشل لجهة تحقيق هدفها.

في جانب آخر من هذه الاهداف، بدا مطلوباً تظهير ما يشبه حركة انشقاقات طرابلسية سنية بالأساس وعلوية عن المحور السوري ــ المقاومة ــ إيران، توحي من جهة بأنها امتداد معنوي وسياسي للانشقاقات السورية عن النظام ومحور تحالفاته، ومن جهة ثانية، بان طرابلس تقتحم المعادلة السياسية اللبنانية، بوصفها عاصمة لامر واقع ديموغرافي في الشمال، متكوّن من انسجام مركبه المذهبي حول إرادة سياسية واحدة مقاتلة.

والواقع ان تطبيقات مفهوم «نظرية رمي الحجة»، مورست ايضا على جبل محسن، لكن بواسطة مسؤولين رسميين كبار التحقوا بمشروع «انسجام مجتمع الامة»، من باب ضمان الحفاظ على أدوارهم في بيئتهم الاجتماعية. والرسالة الأساس التي وصلت إلى «الجبل»، هي إفهامه بان مقبوليته من محيطه المذهبي الأكثري، رهن بتخليه عن ثوابته السياسية المعروفة. وفي الفترة الاولى تضمن العرض عمليا صيغة: «نقبل جبل محسن ناقصا علي عيد والحزب الديموقراطي العربي». وبعد فشل هذه الصيغة، جرى تطوير العرض باتجاه «نقبل علي عيد شرط تخليه عن مواقفه السياسية». وترجمة هذا الهدف، ترويه وقائع مبادرات المصالحة التي عرضت على جبل محسن منذ اشهر حتى الان: في البداية، اطلق مرجع حكومي مبادرة مصالحة، خريطتها قيامه بزيارات للمراجع الروحية في طرابلس. آنذاك اشترط مجلس العلويين الشرعي ان تسبق زيارته له، زيارة للحزب الديموقراطي العربي. وكان هذا الطلب كافيا لطي صفحة المبادرة. وعشية جولة العنف الاخيرة، تلقى الحزب الديموقراطي العربي عرضاً آخر لمصالحته مع باب التبانة، شرطه الاساس الا يحضر عيد مناسبة توقيع إتمامها. نقل أحمد كرامي هذا الشرط إلى عيد، معربا عن استعداده لتمثيله، لكن الاخير رفض مستغربا وجود فيتو على حضوره. ثم بعد ساعات، كرر عيد رفضه عرضاً مماثلاً قدمه إليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي تذرع بأن سبب العرض وجود خشية على حياته فيما لو نزل الى المدينة. وأردف ميقاتي أنه جاهز ليمثله. وكان التقدير في جبل محسن ان المطلوب هو فرض مصالحة إذعان سياسي مع باب التبانة. وتأكد لفعاليات الجبل وحلفائه هذا المعنى، لاحقا، عندما تسلم عيد قبل ايام، رسالة شفهية من مسؤول امني ارسلها مع قريب زوجته، تفيد ان خلاصه الوحيد هو باعلان فك تحالفه مع حزب الله وسوريا. وكشف رفعت عيد عبر قناة المنار أن اللواء أشرف ريفي هو من قام بهذه المبادرة. واللافت ان معلومات يجري تداولها في أوساط قوى 8 آذار تفيد بأن ريفي عاد واتصل بعيد قائلاً له إن المبادرة لا تزال قائمة، رغم أن عيد كشفها، ما يؤكد الإصرار على استمالة جبل محسن إلى فريق 14 آذار.

يتفهم عيد الموقف الحساس الذي يواجهه الجيش في احداث طرابلس، لكنه يرفض اقتراح تجريد جبل محسن من السلاح، وخاصة انه مطروح لتنفيذه على طرف واحد. فالمطلوب تسوية مشرفة لكل الأطراف، وتقويض مخطط خلق ديموغرافيا اللون والرأي الواحد في الشمال.

والسؤال اليوم: هل انتهت خطة اخراج الرأي السني الآخر من عاصمة الشمال، واخضاع جبل محسن سياسيا وامنيا عبر تصعيد التهويل العسكري عليه؟
الاجابة في 8 آذار: ليس مستبعداً ان تتكرر المحاولة، عبر انتهاج سياسة قضم عسكري ممرحل. الهدف المركزي الان إخضاع جبل محسن، بصيغة ما، ومن ثم استثمار هذا الامر لفرض «حالة تيئيس» على قوى سنية حليفة للمقاومة داخل احياء طرابلسية، لإرغامها على التسليم بالواقع السياسي الجديد.

خطوط حمراء

وتخلص قراءة تقويمية تقدمها جهات وازنة في 8 آذار الى ان النتيجة الاساسية لاحداث طرابلس اظهرت أن «فريقنا» اثبت وجود خطوط حمراء في عاصمة الشمال، لن يسمح للطرف الاخر او لأية جهة، بتجاوزها.
يتمثل الخط الاحمر الاول في أن سابقة شاكر البرجاوي في طريق الجديدة لن يُسمح لها بأن تتكرر في عاصمة الشمال.
ثانيا، محاولات استغلال الأثر المعنوي لواقعة القبض على الوزير السابق ميشال سماحة، وصرفها على شكل مكاسب أمنية وتغيير جذري للواقع السياسي في شوارع طرابلس وجبل محسن، ولاحقا في كل منطقة الشمال، «هي تقدير واه ولن يُسمح به».
ثالثاً، لفترة مضت، كان الخيار لدى حلفاء 8 آذار السنّة في طرابلس وغير السنّة، هو المفاضلة بين خياري احتواء الفتنة والدفاع عن النفس. لكن بعد جولة طرابلس الاخيرة وظهور مشروع إخضاع المدينة ومنطقتها للون السياسي الواحد، اصبحت المفاضلة، بمواجهته، تراوح بين خياري الدفاع عن النفس وقمع هذا المشروع، أو ما يعرف في العلم العسكري بالقيام بـ«ضربة استباقية».
رابعاً، التعامل مع ازمة طرابلس بمكيالين من قبل الدولة غير مسموح به. فالحل الذي ينطبق على جبل محسن وحلفاء 8 اذار في المدينة يجب تطبيقه على كل أطيافها السياسية. ولا حاجة إلى التذكير بأن معظم القوى التي يرمي عليها اليوم شيوخ سلفيون «الحجة الشرعية» هي فروع من حركة التوحيد، التي لا يمكن أي طرابلسي التشكيك في انتمائها إلى تاريخ المدينة.  

السابق
حين يتهيّب الزعماء!
التالي
مهرجان السلام للصليب الأحمر