14 آذار في مرحلة ما بعد بشّار

عندما صدحت صرخة الإحتجاج الأولى على النظام السوري يوم 15 آذار 2011 في درعا كان سمير فرنجية يبشر على الفور بأن زمناً مختلفاً قد بدأ وانطوت صفحة آل الأسد. بقي المنظّر الأبرز لقوى 14 آذار ثابتاً على رؤيته لا يتزعزع، يشيح بيده وسيكارته لينقل دوماً الحوارات إلى أمكنة أخرى. "فكروا في المرحلة التي ستلي سقوط النظام . لقد انتهى لا تضيعوا في التفاصيل".

من أين استقيت كل هذه الثقة يا رجل؟ "من مراقبة سلوك الفريق الموالي للأسد في لبنان أولاً. سلوك مضطرب وخائف ومتلاطم. من انطباعات كوّنتها على مراحل عن بشار الأسد ثانياً، كلها أوحت إلي أن الربيع العربي عندما يصل إلى سوريا سيسقطه حتماً لأنه تنقصه مواصفات رئيسية تلزم الحكام. والده تعب ليصل إلى السلطة أما هو فورثها. والده كان يساوم ويعقد صفقات تحت الطاولة ليبقى. وهو لا يساوم لأنه لا يعرف دقة الأمور. حافظ الأسد إذا قتل فكان يقتل لغاية. حتى اليوم لم أستوعب تعامل بشار مع شخص بحجم الرئيس رفيق الحريري. وعندما صدر القرار الدولي 1559، قال له المجتمع الدولي إذا فرضت التجديد لإميل لحود فستخضع للعقوبات الآتية. ماذا فعل؟ اعتبر القرار الدولي تافهاً وأقدم على فرض التجديد ودفع الثمن غالياً. كان في إمكانه وقتها أن يوصل الوزير السابق جان عبيد وحتى الوزير السابق سليمان فرنجية إلى الرئاسة لكنه أصر على لحود. وهل يُعقل بعدما زاره نجل الشهيد، الرئيس سعد الحريري بفعل معادلة "السين – سين" أن يبادره بمذكرات توقيف للقريبين منه؟ تصرفات جعلتني متأكداً أنه مكابر ولن يستطيع استيعاب انتفاضة شعبية تندلع في وجهه. وهذا ما حصل".

كيف تنظر 14 آذار اليوم إلى تطورات الأزمة السورية وانعكاسها على لبنان؟ النظام السوري يعتبر الحدود مع لبنان حدودا صديقة، باستثناء منطقة عرسال. يتمسك بإبقاء المعابر مع لبنان في يده أيا تكن الظروف خلافاً لما هو الواقع مع تركيا والعراق والأردن نظرا إلى حيوية لبنان لاستمرار النظام. المسافة بين المصنع ومواقع قيادة "حزب الله" في بعلبك ومخازن أسلحته لا تتجاوز 10 كيلومترات. ويثير العجب إقرار النظام السوري بامتلاكه أسلحة كيماوية وبيولوجية ممنوعة دولياً مما أوقعه في ورطة مع المجتمع الدولي رغم محاولة الروس التخفيف من وقع الاعتراف.

تخشى 14 آذار فعلياً أن يستدرج النظام السوري إسرائيل إلى حرب على "حزب الله" في لبنان بدأ بتجميع الذرائع لها من بلغاريا. الحرب هذه إذا وقعت فسيستغلها النظام السوري ويعتبرها فرصة لالتقاط أنفاسه. في كل الأحوال على لبنان الرسمي التحرك في أقصى سرعة لحماية شعبه وأرضه من أخطار واحتمالات مخيفة كهذه. وفي انتظار ما تحمل الأيام الآتية، يتأكد أكثر فأكثر أن موضوع بقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أو عدم بقائها بات مرتبطاً بمصير النظام السوري لا غير. تسقط عندما يسقط بشار مشهدياً وفي شكل كامل "ولكن سنظل نطالب برحيلها ونضغط عليها". وسط هذه الصورة بادر رئيس الجمهورية إلى خطوة سيادية بصفته مؤتمناً على الدستور وحماية البلاد، وطبيعي أن تنفتح الأبواق السورية، من إميل لحود إلى مصطفى حمدان في وجهه، و"طبيعي أكثر أن ندعمه في موقفه"، يقول ركن في التحالف السيادي.

ترشح 14 آذار عدداً من الشخصيات والقوى لدفع أثمان تحالفها مع النظام السوري. "حزب الله" يجري قراءة متمهلة ويخوض سجالات داخلية محورها: هل نضحي برؤوسنا إذا سقط النظام الحليف؟ "التيار العوني" ستكون التأثيرات السلبية عليه كبيرة، خصوصاً أن قائده النائب ميشال عون لا ينفك يعطي مبررات لخصومه من خلال مواقف استفزازية كي ينقضوا عليه في السياسة. ولن يكون آخر استفزازاته الكلام على كحول في سيارة الشيخ الراحل أحمد عبد الواحد ولا رفضه تسليم "داتا" الاتصالات إلى الأجهزة الأمنية عقب محاولتي اغتيال الدكتور سمير جعجع والنائب بطرس حرب. خصوم عون يقرأون كلامه على أنه تعبير عن رغبة في معاودة الاغتيالات التي لا تطاول إلا خصومه، ولا يستبعدون أن يُحاسب الرجل في السياسة عما فعل من 1989 حتى اليوم وألا يقدر أي حليف على حمايته وإبقائه قيد الحياة. في السياسة دائماً وبالطبع.   

السابق
عن النظام السوري وعقدة السنّة
التالي
النهار: عضّ أصابع في أزمتي الموظفين والكهرباء