الخيم فسحة عمل في صيف كساد

اثنا عشر مطعماً ومؤسسة فندقية حاول الشاب اللبنانيّ فراس عبدالله طرق أبوابها في شهر حزيران (يونيو) الماضي لعلّه يجد في إحداها فرصة للعمل نادلا أو خادما، ليستطيع تأمين تسجيله في سنته الجامعية الثانية في ايلول (سبتمبر) المقبل. إلا أنّ الجواب الذي لقيه فراس مراراً كان الرفض، والسبب أنّ حركة العمل خفيفة جداً بسبب المشاكل الأمنية المتكرّرة وقطع الطرق التي دفعت بالسيّاح العرب الى تفضيل وجهات غير لبنان وإلغاء العديد من اللبنانيين المغتربين زيارتهم الى بلدهم. وهذه الحالة طاولت معظم الشباب الذين يحاولون إيجاد عملٍ صيفيّ يساعدهم للإدخار بهدف تسديد الأقساط المدرسية أو الجامعية في بداية العام، وهذا ليس مستغرباً في وقت بلغت نسبة الحجوزات الملغاة في المؤسسات السياحية خارج العاصمة 70 في المئة بحسب الأمين العام لإتحادات النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي.

إلا أنّ طاقة من الأمل فُتِحت أمام فراس وغيره من الشباب حين قُبل طلبهم للعمل الموقت في الخيم الرمضانية التي تنظّم طيلة شهر رمضان، والتي تبقى مفتوحة من الإفطار حتّى السحور لتستقبل الصائمين في أجواء متنوّعة عنوانها الجلسات العائلية وموائد الطعام والنرجيلة إضافة الى مشاهدة المسلسلات الرمضانية على شاشات كبرى.

وكثرت خلال السنوات الأخيرة الخيم الرمضانية التي تنظّم في المؤسسات السياحية من فنادق ومطاعم، إلا أنّها تتطلّب اليوم الحصول على موافقة مسبقة من وزارة السياحة اللبنانية قبل الشروع بإقامتها. لكن رغم ذلك، يُسجّل وجود عشرات الخيم التي لا توفّر جلسات مميّزة للصائمين فقط، إنما تؤمن الفرصة للشباب أيضاً لكي يعملوا ويدّخروا المال بعدما صدّهم عن ذلك الموسم السياحيّ المتراجع هذا الصيف.

تعويضاً للكساد الذي يصيب السياحة في لبنان، تأتي الخيم الرمضانية لتثير الحماسة الشبابية بإتجاه العمل والإفادة من الوقت لتحقيق مدخول ماليّ، وهي تؤمن لهم الترفيه أيضاً إذ يقضون الأمسيات الرمضانية في أجواء منوّعة بدل البقاء في المنزل يومياً. ويذكر طلال العزّ، وهو المُشرف على إحدى الخيم في العاصمة اللبنانية بيروت، أنّ هذا النشاط الرمضانيّ يدفع الحركة في المؤسسات السياحية قليلاً وهذا ما يعزّز قدرتها على إستقدام الشباب وتوظيفهم في مجال خدمة الطاولات والعمل في المطبخ لمساعدة الطهاة بالإضافة الى التنظيف وغيرها من الأعمال المطلوبة. ويلفت العزّ الى أنّ هناك طلباً كبيراً على الخيم الرمضانية، لأنّها «تؤمن الرائحة للصائمين بعد نهار طويل، وهي تجمع الأهل والأصدقاء وتكسر روتين الحياة».

وتراوح أجور الشباب بين 300 و600 دولار أميركيّ، لكن الشباب الموظّفين لا يعتمدون على الأجر فقط إنما ينتظرون «البخشيش» الذي يقدّمه لهم روّاد الخيم. فكما يقول الشاب سامر عطية «إنّ اللبنانيين يميلون الى العطاء أكثر في شهر رمضان المبارك، وهم غالباً ما ينظرون الينا كشباب نحاول جني لقمة عيشنا بعرق جبيننا فيحاولون مساعدتنا عبر إعطائنا المال الإضافيّ».
لكن الخيم كلّها لا تحظى بالإهتمام نفسه لدى الشباب الباحثين عن عمل صيفيّ، ويقول الشاب شريف الأحمد في هذا المجال: «هناك خيم تُقام في الملاهي الليلية وبعض المؤسسات غير المرخصّة والتي لا هوية دينية لها، إنما يكون الطاغي فيها هو الرقص والغناء بدل الجلسات العائلية». وهذه الخيم لا تستقطب الشباب الملتزم دينياً خلال شهر رمضان مبارك، ويلفت الأحمد الى أنّ «من الضروريّ أن يتطلّع الشباب الى المكان الذي يريدون العمل فيه خلال رمضان، لكي لا يعيشوا حياة متناقضة بين الصوم والمكوث في أماكن تُبعد الإنسان عن جوهر رمضان وروحانيته».

إستقطاب الجيل الشاب
إهتمام الشباب بالخيم الرمضانية لا يقتصر على العمل فقط، فهي أيضاً المكان الذي يتجمّعون فيه إذا كانوا يعملون نهاراً، فيتسنّى لهم لقاء أصدقائهم وتدخين النرجيلة ولعب الورق أحياناً فيما يمكن الإستماع الى الموسيقى العربية والإستمتاع بوجبتي الإفطار والسحور. لكن هذا العام تبرز الأسعار المتصاعدة في الخيم التي تقدّم برامج متكاملة في الامسيات الرمضانية، وتصل التكلفة للجلسة الواحدة في خيمة ضمن مطعم ذي مستوى متوسّط الى 40 دولارا أميركيّا للشخص الواحد، وهذا ما يحدّ من قدرة الشباب ذوي المدخول المحدود من السهر بشكل دوريّ. ويصف الشاب مصطفى خليل الخيم بـ»فشّة الخلق» بعد نهار صوم طويل، لكنه لا يستطيع إرتيادها إلا مرتين أسبوعياً، ويجد أنّ هناك حاجة لتخفيض الأسعار خصوصاً «أنّ الموسم السياحيّ في لبنان ليس في أفضل حالاته أبداً».
إرتفاع الأسعار الذي يشير إليه خليل لم يؤثر بعد على تهافت اللبنانيين على الخيم الرمضانية، خصوصاً أنّ في إمكانهم تناول الإفطار في منازلهم والإتجاه نحو الخيمة للإستراحة وتناول وجبة خفيفة. لكنّ ما يبرز هذا العام بشكل واضح، هي الإجراءات الصارمة في التعاطي مع الخيم من قبل السلطات المحلية ووزارة السياحية، فقد خفتت ظاهرة الخيم التي لا تحترم القيم الأخلاقية، من دون أن يعني ذلك إختفاءها كليّاً.  

السابق
في ما خصّ سورية وحديث التقسيم
التالي
عودة أم وابنتيها من اسرائيل ونقل جثة عبر رأس الناقورة