في العبث.. مجدداً

ليست "الانتفاضة" الأولى للنائب ميشال عون على حلفائه وأولياء نعمته النيابية والوزارية، وقد لا تكون الأخيرة طالما أنّه اكتشف فجأة أنّ سياساته وتحالفاته أفقدته جزءاً كبيراً من رصيده الشعبي، علماً أنّ "رصيده" الآخر مصدره تلك السياسات والتحالفات قبل أي شيء آخر.
وعلى طريقته المعهودة سيستأنف الزعيم الإصلاحي صراخه في وادي الانتخابات من الآن حتى حصولها، محاولاً الركّ من جديد على حساسيات خطيرة سبق له أن استهلكها في حروبه السابقة ودفع ودفّع متلقّيه أثماناً باهظة جراء ذلك.

لكن المنطق الذي يحكم حسابات عون اليوم هو ذاته الذي كان بالأمس. وغالب الظن بالتالي أن النتائج لن تختلف عن سابقاتها بغضّ النظر عن طبيعة "المعركة" الراهنة وهويتها وأسبابها. فقُصر النظر وكثرة الصراخ وتقطيب الحاجبين ورفع الأصابع والأيدي والدربكة الاستنفارية الدائمة ولبس أثواب تاريخية أكبر من الحجم والقياس لا تؤدّي في ختامها إلى إنتاج حالة صحّية في السياسة والعسكر فيها فرادة ما أو نَفَس استمراري منهجي يلحق به الناس، بل الأرجح انها تؤدي (وسبق أن أودت) إلى أماكن أخرى تُعنى بالعقل والأعصاب أكثر مما تُعنى بالسياسة والتاريخ.

في المبدأ لا يختلف كثيرون في تشخيص تلك الحالة، ولا يختلفون بعد ذلك في توقع مآل أمورها الراهنة، وذلك، في الإجمال، لا يخفي معاناة مسيو عون الفاخرة: الاستمرار في التجييش والقطع مع الحلفاء، قد لا يؤدي إلى النتيجة المرجوّة مسيحياً خصوصاً أنّ "إنجازاته" أكبر من أن تُمحى سريعاً، وأخصامه ليسوا هيّنين ولم يكونوا يتفرّجون في المرحلة الماضية. أما استمراره في تحالفاته، فقد يعطيه شيئاً لكنه ناقص أرجل الكرسي أو "الفحوى الأخير" لطموحه، وسيراكم فوق ذلك خسائره المسيحية والوطنية.
في المحصّلة لن يستطيع أن يكبح جماح الخسارة في الحالتين، لكنه سيكابر ويرتضي أن يبقى أسير حلفه الراهن وتحت سقفه، مهما لعلع صوته وعلت أصابع يديه وارتفع منسوب العبث في أدائه.. جنرال العبث!
  

السابق
الفتنة.. من صيدا إلى عكار
التالي
شمعون: قد تنسف انتخابات 2013