مستشفى صيدا الحكومي الجامعي بين المحاصصة السياسية وعوائق الإدارة

يبدو أن العائقين السياسي والإداري يشكلان العامل الأساس في منع مستشفى صيدا الحكومي من الاستمرار والتطور ومنافسة القطاع الخاص بنجاح. فمنذ نحو شهرين اعتصم موظفو ومستخدمو المستشفى المذكور احتجاجاً على عدم صرف رواتبهم الشهرية. ونالوا وعداً ان تدفع وزارة الصحة جزءاً من الأموال المستحقة عليها. إلا ان الوعد لم ينفذ حتى تاريخه.

المشكلة
ويعاني المستشفى المذكور من السقف المالي المنخفض الذي تقدمه وزارة الصحة منذ افتتاحه. إذ يشير رئيس مجلس إدارته د. علي عبد الجواد: منذ الافتتاح وحتى نهاية عام 2010، كنا نحصل على 79 مليون ل.ل. شهرياً من الوزارة أي 948 مليون ل.ل. سنوياً وهو يعادل نصف ما يقدم إلى مستشفيات خاصة يبلغ أسرة كل منها عدداً موازياً لأسرة المستشفى الحكومي”.
ويضيف عبد الجواد: من أول عام 2011 صار المبلغ المعتمد 333 مليون ل.ل. شهرياً وما زال على الرغم من التطور الذي طرأ على المستشفى وخدماتها. أي أن المشكلة تتلخص بالسقف المالي المفروض علينا ومبالغ المصالحات ونعني بها الأموال المطلوبة من الوزارة كفارق ما بين الاعتماد الموجود وما بين قيمة الخدمات التي قدمها المستشفى في الأعوام الفائتة.

الخلفية التاريخية
يضم مستشفى صيدا الحكومي الجامعي حالياً 130 سريراً، ولديه أكثر من 100 طبيب يعملون في 16 اختصاص طب وهم جزء من 290 موظفاً، في هذا المستشفى بدأ العمل في المستشفى بـ30 سريراً عام 2006 وارتفع إلى 60 سريراً عام 2007 ثم 106 ليصل الآن إلى 130 سريراً، حسب ما يقول د. عبد الجواد الذي يوضح أمراً آخراً: عام 2009 تحول المستشفى المذكور إلى مستشفى حكومي جامعي بموجب قرار رقم 74/2009 صادر من مجلس الوزارة المنعقد في بعبدا يوم 24/4/2009.
ويواجه المستشفى عوامل تؤثر سلباً على وضعه: العامل الأول، هو الصُوَر النمطية الموجود في أذهان الناس عن المستشفى الحكومي القديم، العامل الثاني: الموقع الجغرافي للمستشفى الذي يزيد من صعوبة الوصول إليه أو زيارته. (مدخل المخيم، إجراءات أمنية). العامل الثالث: وجوده في منطقة يشهد القطاع الطبي الخاص ازدهاراً وتطوراً ملحوظاً ويتمتع بسمعة جيدة. يوضح عبد الجواد: على الرغم من كل هذه العوامل السلبية، فإن المستشفى يتطور بشكل سريع تتقدم خدماته.

تطور المشكلة
يشير عبد الجواد إلى أن إدارة المستشفى لم تقبض شيئاً من مبالغ المصالحات على الرغم من الوعود المتكررة “وأن عدم انتظام دفع الاعتمادات أدى إلى تراكم الديون للموردين لكنه يستطرد قائلاً: علينا 8 مليار ل.ل. ديون للموردين ولكن لنا 12 مليار ل.ل. بذمة الجهات الضامنة منها 60% من وزارة الصحة. وكيف حلت إدارة المستشفى قضية الرواتب؟ يجيب د. عبد الجواد على الرغم من كل الوعود لم نقبض شيئاً لكن إحدى الجهات الضامنة دفعت جزءاً من المستحقات، مما سمح لنا بدفع الرواتب. لكن يبقى السؤال: هل نستطيع أن نستمر وأن نبقى في السوق؟ هل هناك حل جذري في ظل سياسة اللاتسديد من الجهات الضامنة؟
مصدر مسؤول في وزارة الصحة يوضح الموضوع: للأسف يجري التلاعب بصحة المواطن ضمن المحاصصة الطائفية السياسية. كيف توزع أموال الاستنفاء؟ وعلى من؟ ربما عليك سؤال السياسيين الذين يدافعون عن القطاع الخاص الذي ينال الحصة الأكبر من الموازنة في حين يرمى الفُتات إلى المستشفيات الحكومية.
ويشير د. عبد الجواد إلى أن بعض المستشفيات الحكومية ينافس مستشفيات القطاع الخاص بعد وتيرة النمو السريعة التي شهدها القطاع الحكومي، “فإذا أرادت الدولة العمل بشكل صحيح، عليها دعم وتطوير القطاع العام بشكل رئيس ويبدو أن القوى السياسية المؤثرة في الجنوب وفي صيدا تحديداً لا تتابع ولا تهتم لأمر المستشفى والمآل الذي تذهب إليه، مع العلم أنه وفق الإحصاءات المتوفرة لدى الإدارة فإن 60% من المرضى صيداويون و40% من مختلف المناطق.
ومن مظاهر لامبالاة هذه القوى تجاه المستشفى أن المنطقة، حيث يقع المستشفى، تشهد بين الحين والآخر، اشتباكات وحوادث أمنية، مما يجعل وضع المستشفى مخيفاً “لكن أحداً من فعاليات المدنية وزعاماتها لا يتصل أثناء الاشتباكات أو حتى في اليوم التالي، للاطمئنان عن المرضى والموظفين”.
يذكر د. عبد الجواد أنه زار جميع القوى السياسية قبل الاعتصام وطلب منهم التدخل، وأثناء الاعتصام حضر د. ناصر حمود ممثلاً النائب بهية الحريري، وعقد د. أسامة سعد مؤتمراً صحفياً وأجرى عدد من الفعاليات والنواب اتصالاً مع وزير الصحة الذي وعد بتمويل مبلغ 250 مليون ل.ل. وحتى لحظة كتابة هذا النص لم يصل المبلغ المذكور، لكن د. عبد الجواد يخبرنا “الآن صارت المعاملة في وزارة المالية وعلينا الانتظار لاستلامها”؟
ويستنتج المراقبون أن مستشفى صيدا الحكومي الجامعي هي مؤسسة متخلّى عنها، وكأن الجميع يجهل إنجازات المستشفى وخصوصاً في المجال الطبي”. إذ نستقبل طلاب اختصاص من جامعات مختلفة كما يجري أطباء متخرجون جدد تمارينهم الطبية عندنا”.
فهل تشكل سياسة الدولة الصحية القائمة على دعم القطاع الخاص وتجاهل حاجات القطاع العام عاملاً أساسياً لتخلي الدولة عن مسؤولياتها الرعائية للمواطنين؟ وهل تبقى المحاصصة السياسية أساساً لتنفيذ هذه السياسة وبالتالي لتنظيم النهب الكبير للخزينة العامة؟

السابق
روايات الضباط السوريين المنشقين
التالي
اعتراف ليبي رسمي : الامام الصدر لم يغادر ليبيا … وكان حياً!