المعارضات السورية والموت السريري

راهنت غالبية حركات المعارضة السورية والقوى العربية والإقليمية الداعمة لها على التدخّل الخارجي لإسقاط النظام كما حصل في ليبيا.
منذ البداية كانت هذه الحركات مدركة ضعفها وعجزها الذاتي عن إحداث التغيير في بنية نظام مركزي متماسك في إدارته وجيشه ومؤسساته، ويلقى التفافاً شعبياً لم يضعفه الخلل الأمني الناجم عن عمليات الاغتيال والتفجيرات الأمنية والمجازر البشعة في حق الآمنين، مدنيين وعسكريين.

أدركت المعارضة أنها غير قادرة بذاتها على الوصول إلى السلطة، فيما لو كانت موحّدة في الرؤية السياسية الاستراتيجية والمرحلية وفي التنسيق العملي والتوافق على قيادة المرحلة.فكم بالحري يكون شعورها وإدراكها حين تشهد تضارب رؤى يستحيل جمعها وتنافر شخصيات تتأبّط كلّ منها شرّاً وتتربّص بالأخرى.
بدأت أعمال العنف منذ بداية تحرّكها وهي متيقنة من أن أعمالاً كهذه يستحيل أن تسقط النظام، غير أنها كانت تسعى بها إلى خلق مناخات مؤاتية للتدخل الخارجي عن طريق تحقيق هدفين رئيسين:
-السيطرة على منطقة حدودية عازلة.

-تصعيد أعمال العنف لخلق أجواء مؤاتية لقرارات دولية بالتدخل الخارجي.
فشلت كل رهانات المعارضة باستجلاب التدخل الخارجي،فلم تستطع السيطرة على منطقة حدودية تمهيدا للتدخل من خلالها، ولم تنفع كل أعمال العنف والجرائم والمجازر في استصدار قرارات دولية.
باستثناء الثورة الليبية، لم تتلقّ أي ثورة عربية جزءاً يسيراً ممّا تلقته حركات المعارضات السورية. تلقت رعاية ودعماً إعلامياً لم تشهدهما ثورة في التاريخ.
لو حسبنا ساعات البث التلفزيوني على المحطات العربية والدولية المخصصة لدعم «المعارضة» ومحاربة النظام السوري لفاقت الكلفة مئات المليارات من الدولارات. وما عساها الكلفة لو حسبنا مستلزمات الصحافة المأجورة والصحافيين المأجورين والمستكتبين؟
وما كلفة رعاية المؤتمرات واللقاءات والرحلات والحسابات المعلنة وغير المعلنة التي تقام دعما لهذه المعارضة؟
وما كلفة التسليح والتمويل والمزادات المدفوعة للانتحاريين ليستمر التدمير والتخريب من دون جدوى؟
رغم كل هذا الدعم اللامحدود، ماذا كانت النتيجة؟ وأين أصبحت الوعود والرهانات؟
أين أصبحت أهداف هذه «المعارضات»؟

وإلى ماذا يؤشر المؤتمر الدولي في جنيف حول سورية؟
وإلى ماذا يؤشر مؤتمر «المعارضة السورية» في القاهرة برعاية الجامعة العربية؟
كل الدلائل تشير أن المسار الذي تتخذه أطياف «المعارضة» السورية هو مسار انحداري. تبخّرت كل الآمال والأحلام بحرب أميركية أو أطلسية على سورية تسقط النظام وتنصب «المعارضة» مكانه.
مع تبخّر أحلام «المعارضة» تتبخّر أحلام رعاتها العرب والإقليميين،وسوف تضطرهم إلى مراجعة حساباتهم ومواقفهم سريعاً.
تدخل «المعارضة» في مايشبه الموت السريري، ولن يخرجها من غيبوبتها إلاّ الوساطة الروسية بشروط عودة الوعي والتسليم بالحل السوري الداخلي وفكّ الرهانات والارتباطات الخارجية والقبول بالخضوع لرب عمل واحد هو الوطن.  

السابق
الشيخ الأسير وميقاتي والتغيير الضروري
التالي
5 معسكرات لـلجيش الحر في الشمال