الصمت على الزور والشهادة به

تندفع الجماعات اللبنانية إلى التقاتل في ما بينها في صراعات بدائية مدمّرة، ويستجيب قسم كبير من الفاعلين فيها للتحريض الخارجي ومصالحه ومؤامراته. وهي، على مختلف الانتماءات الطائفية، تشكل جماعات مغلقة تعيش في الماضي، لا تقرأ الحاضر ولا تنظر إلى المستقبل.
الواقع الانغلاقي يمنع قيام وحدة المجتمع ويمنع قيام الدولة، ويعطّل المصالح الكبرى للحياة، ما ينعكس ضرراً بالغاً على الجميع. وهذا الواقع يدفع أبناء تلك الجماعات إلى السلوك الغريزيّ فيتسابقون بجهل إلى تدمير مصالحهم والقضاء على مستقبلهم.
منذ تأسيس الكيان اللبناني وهذه الجماعات تعيش في حروب باردة وساخنة. زعماؤها يتكاذبون في الكلام عن الوحدة الوطنية والعيش المشترك وبناء الدولة. إنّهم شهود زور على انتمائهم الى الإسلام أو المسيحية وشهود زور على ولائهم للوطن. إذا أراد شخص أن يتعرّف إلى الاسلام أو إلى المسيحية من خلال السلوك الذي تجسّده هذه الجماعات، فماذا عساه يكون حكمه؟ أين سيجد قيم المحبة والرحمة والتسامح والانفتاح لدى من يمزّقون وحدة الأمة ويبثّون سموم المذهبية والطائفية وأحقادها؟
أين سيجد قيم الجهاد والتضحية في سبيل الأمة والوطن لدى من تخلّى عن الجهاد ضد أعداء الأمة والوطن وحوّله الى الفتن الداخلية؟ كيف يلتقي من يدعّي حمل هذه القيم مع مخططات الغربي الأميركي الصهيوني ومؤامراته وتعليماته؟ وكيف يدّعي الجهاد والنضال من يعمل أجيرا ومنفّذا لأجراء السياسات الأميركية-الصهيونية المشبوهة ومنفّذيها؟
إنها شهادة الزور والصمت عليه. شهادة تنبع من خوف أو منفعة أو من كليهما.
الغرب عامة وأميركا خاصة أكبر شهود زور في تاريخ البشرية. والدول العربية عامة وأصحاب النفط خاصة أكثر الصامتين على الزور وأكثر الخاضعين لأربابه.
لا إجرام في تاريخ البشرية يضاهي إجرام الغرب في حق كل الشعوب، ولا إجرام في الغرب يضاهي الإجرام الأميركي، منذ تأسيس أميركا على إبادة شعوبها الأصلية إلى اليوم.
استعبدوا الشعوب ونهبوا خيراتها وثرواتها ومارسوا حروب الإبادة الجماعية وقتل المدنيين والأبرياء وما زالوا يثيرون الحروب ويدمرون المجتمعات والدول ويتدخلون في شؤونها مباشرة يثيرون الفتن والنعرات، يموّلون ويسلحون، ويقتلون الآلاف والملايين في عدوان صارخ، بكل صلف ووقاحة.
يشهدون بالزور أنهم يريدون الحرية والديمقراطية للشعوب، وأنهم مع حقوق الانسان، وتاريخهم برهان ساطع عن عدائهم لكل الشعوب والثقافات المغايرة لثقافتهم.
البربرية الغربية مزّقتنا في سايكس-بيكو منذ أقل من مئة عام بقليل وزرعت الكيان الصهيوني الغاصب الذي شكّل بجرائمه المستمرة امتداداً للبربرية الغربية وجرائمها .
البربرية الأميركية تسعى إلى تقسيم ما قسّمه سايكس–بيكو ليسهل إخضاعنا ونهب ثرواتنا طيلة القرن الحالي، ونبقى آخر الشعوب المستعبدة في العالم .
المتواطئون مع الأميركي سراً أو علناً، خوفاً أو جهلاً، هم شهود زور أو صامتون عليه. وهم أكثر من ذلك خائنون ومجرمون في حق الأمة والوطن، لأن شهادتهم بالزور أو صمتهم عليه شهادة ضد الأمة والوطن لا ضد فرد.
إذا كانت شهادة الزور ضد فرد جريمة كبرى فما عساها شهادة الشاهدين بالزور وما تراه صمت الصامتين عليه؟ 
 

السابق
مصر بعد مرسي
التالي
شهر أمني في فراغ سياسي