الرد التركي؟

يتخوّف الناطق باسم الخارجية السورية من نتائج اجتماع حلف "الناتو" الذي دعت إليه أنقرة لمناقشة تبعات إسقاط طائرتها الحربية.. والتخوّف في مكانه.
إذ للمرّة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية تبدو القيادة الأسدية وكأنّها تنتظر (أخيراً) شيئاً مختلفاً عمّا سبق. أو بالأحرى تنتظر أن تدفع ثمن ارتكاباتها بطريقة مغايرة لتلك التي دفعتها حتى الآن، أي أبعد من الحصار السياسي والديبلوماسي ومن العقوبات الاقتصادية وأبعد بكثير من مطوّلات الإدانة الإعلامية المعهودة والسريعة

مفهوم أنّ الرد على إسقاط الطائرة لم يتبلور تماماً بعد، علماً أنّه سبق لقيادة "الناتو" أن أكّدت أكثر من مرّة أنّها ليست في وارد التدخّل العسكري في الوضع السوري. ومفهوم في المقابل أنّ أنقرة ربما وجدت أخيراً، وبفضل "مساعدة" مباشرة من السلطة الأسدية نفسها، حجّة كافية لها لتفعيل موقفها من تلك السلطة وبالتالي تنفيذ ردّ موضعي محدود في نقطة ما، وليس أكثر من ذلك، حالياً!
لكن ذلك على أهمّيته وخطورته ليس موضوعنا، بل الموضوع الأساس هو هلع السلطة الأسدية من بدء الكلام معها باللغة التي لا تفهم غيرها، أي لغة القوّة المسلّحة المحتوية على قدرات أكبر من قدراتها هي، وبالتالي تعريضها لانكسار في كأس جاهدت طويلاً لإبقائها في يدها وبعيدة عن فمها!

نهج مألوف ومعتمد منذ سنوات طويلة، بدأ مع الأسد الأب ويستمر مع الابن: المناورة دائماً على حافة الهاوية، لكن السقوط فيها ممنوع مهما كلّف الأمر. أي أنّ سقف الموقف السوري هو الحرب مع طرف أقوى. تحت ذلك السقف يمكن ممارسة هواية الانتظار ولعبة الوقت، ويمكن التصعيد في السياسة ومشتقاتها الإعلامية والديبلوماسية والتعبوية إلى أبعد مدى. ويمكن حتى القتال بالواسطة، تماماً كما حصل مع الإسرائيليين في لبنان على مدى سنوات طويلة، أوّلاً بواسطة قوى فلسطينية لبنانية مشتركة، وثانياً بواسطة قوى لبنانية عدّة اختصرها أخيراً "حزب الله" بمقاومته. وتماماً أيضاً كما حصل مع الأتراك من خلال "حزب العمّال الكردستاني" ولسنوات طويلة سبقت وصول رجب طيب أردوغان وحزبه إلى السلطة.. كل ذلك مسموح، لكن الممنوع في عُرف حكم آل الأسد، هو المواجهة المباشرة مع طرف أقوى عسكرياً.

لذلك قيل أولاً إنّ السلطة الأسدية اعتذرت الى أنقرة عن إسقاط الطائرة، وقيل ثانياً ورسمياً على لسان المقدسي نفسه، إنّها لا تسعى إلى مشكلة مع تركيا.. وقيل الكثير غير ذلك ومثله، لكنها في مجملها أقوال آتية من قراءة في كتاب مهترئ، وضعه نظام اهترأ بدوره، ولم تعد له من مقوّماته إلاّ أدوات فتّاكة ترتكب المجازر والفظائع في الداخل، وتضع رأسها في الأرض رعباً أمام الخارج!
 

السابق
حكومة إنقاذ
التالي
الضاهر: النظام ساقط لا محالة