وقت الشعوب الضائع بين الإخوان والأميركان و«إسرائيل»

يعيش الفلسطينيون في الوقت الضائع . ليسوا وحدهم في هذه الحال بل شعوب مصر وسورية ولبنان ايضا .
الوقت الضائع هو فترة الركود والحيرة والبلبلة والعجز عن الفعل . انه نتاج صراع قوى الخارج واصطراع قوى الداخل وانسداد الافق وانعدام الرؤية.
قوى متعددة تعيش في الوقت الضائع على مستوى المنطقة كلها . لعل ابرزها الإسلاميون عموماً وفي مقدمهم الاخوان المسلمون، يواجههم الأميركان في محاولةٍ لاحتوائهم وسائر حركات الإسلام السياسي . كما تواجههم «اسرائيل» التي تنافس اميركا حيناً وتشاركها احياناً أخرى في عملية احتواء الاعداء جميعاً، اسلاميين وغير اسلاميين.
«اسرائيل» تقدّمت، اخيراً، مختلفَ اللاعبين في المنطقة في استغلال الوقت الضائع . ركّزت محور جهدها على الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء . باشرت عدوانها مطلعَ الاسبوع الماضي عقب مقتل عامل «اسرائيلي» واصابة آخرين في اشتباكات على الحدود مع مصر في موقع بناء الجدار الفاصل. اتهمت نشطاء فلسطينيين بأنهم تسللوا من القطاع الى داخل سيناء لتنفيذ العملية قبل ان «تتحقق»، لاحقاً، من ان النشطاء الثلاثة لم يكونوا فلسطينيين!
«اسرائيل» تعلم، مسبقاً، ان نشطاء متعددي الجنسيات، غالبيتهم مصريون، يتحركون في سيناء، وانهم يتعاونون مع عناصر شتى في تنفيذ مهمات متنوعة كتهريب مختلف انواع الممنوعات، بما فيها المخدرات والاسلحة، والافارقة المتحرّقون للعمل في «إسرائيل» ممن ليس لديهم سمات دخول اليها، بالاضافة الى مشاركة المقاومين، من فلسطينيين ومصريين، في عملياتهم المسلحة عبر الحدود .
«اسرائيل « تحيط بكل هذه الواقعات والتطورات، وتلاحظ، بحسب تصريح وزير حرب العدو ايهود باراك، «ان السيطرة على سيناء اصبحت هشة»، كما ان مصادر عسكرية رفيعة كشفت لصحيفة «معاريف» (19/6/2012) «ان منطقة سيناء تتحول بالتدريج الى جنوب لبنان آخر». اكثر من ذلك، تضمنت المداولات التي جرت في المؤسسة الامنية تقديرات فحواها ان السيطرة المتوقعة للاخوان المسلمين على مقاليد السلطة في مصر من شأنها ان تؤدي الى تصعيد التوتر في منطقة الحدود المصرية وقطاع غزة «لأن السلطة المصرية ستكون اكثر انشغالاً بالاوضاع الداخلية».
«اسرائيل» ارادت، اذاً، اختبار ردة فعل حركة «حماس» ذات العلاقة الوثيقة بالاخوان المسلمين، كما ردة فعل الاخوان انفسهم والمجلس العسكري الذي يناصبهم العداء ازاء ضربة، او ضربات، تكيلها لقطاع غزة. «حماس»، كما غيرها من تنظيمات المقاومة، ردت بعنف على عدوان «اسرائيل» مطلقةً عشرات الصواريخ والقذائف الصاروخية على مستوطنات النقب ومنطقة ساحل عسقلان ومواقع ايريز وكيسوفيم ورعيم العسكرية ما ادى الى اصابة 18 «اسرائيلياً» بينهم 11 من جنود «حرس الحدود».
ردود فعل «حماس» و»الجهاد الإسلامي» و»لجان المقاومة الشعبية» و»كتائب الشهيد ابو علي مصطفى» (الجبهة الشعبية) جاءت سخية في عنفها واقترنت بموقف اطلقته «حماس» بلسان القيادي البارز محمود الزهار بالتزام «اعلان التهدئة اذا ما التزم الإحتلال وقف العدوان والإعتداءات على شعبنا «.
اختبار» اسرائيل» بالنار لتنظيمات المقاومة في غزة تكشّف عن حقيقتين: الاولى، ان «حماس» كانت انتشت فعلاً بصعود الاخوان المسلمين اللافت في مصر ما حملها على مغادرة موقف التهدئة والمبادرة الى الرد بقوة على العدوان «الإسرائيلي» . الثانية، ان المجلس العسكري المحرَج بصعود الاخوان من جهة وبالعدوان «الإسرائيلي» الواسع على قطاع غزة من جهة اخرى، سارع الى الضغط على «اسرائيل» من اجل وقف عدوانها ونجح في ذلك . قيل ان مسعاه ما كان لينجح لولا دعوة واشنطن «اسرائيل» الى عدم اضافة تعقيدات جديدة في وجه المجلس العسكري المشغول بمسألة الانتخابات الرئاسية وتداعياتها.
غير ان رغبة واشنطن في عدم إرباك المجلس العسكري لا تحجب تبايناً بينها وبين «اسرائيل» في النظر الى الصراع الدائر بين العسكر والاخوان المسلمين وسائر القوى المؤيدة لثورة 25 يناير . فالقيادة «الإسرائيلية»، السياسية والعسكرية، تميل الى تأييد المجلس العسكري لأنها ترى فيه الضمانة والقدرة على «احترام» معاهدة السلام المعقودة معها، وعلى لجم القوى المناهضة لها. ادارة اوباما تحبّذ، بالتأكيد، احترام المعاهدة لكنها تحرص في الوقت ذاته على تسريع عملية تسليم السلطة من العسكريين الى المدنيين . وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون دعت المجلس العسكري الى الوفاء بتعهده تسليم السلطة الى الفائز في الانتخابات الرئاسية، مضيفةً ان بعض ما قامت به السلطات العسكرية خلال الايام الاخيرة « مزعج … وعلى الجيش ان يتبنى دوراً مناسباً غير دور التدخل والهيمنة او محاولة إفساد السلطة الدستورية».
هل تفضل واشنطن الاخوان المسلمين على العسكر ؟
هي لا تمانع في وصول الاخوان المسلمين الى السلطة لأنها واثقة، على ما يبدو، بأن المجلس العسكري غير قادر على مواجهة الثائرين عليه، وان اصرار المجلس على تمديد اقامته في السلطة سيؤدي الى اندلاع ثورة شعبية تفضي الى انقسام الجيش، وبالتالي تقليص قدرته على حماية وحدة الدولة وأمن المجتمع واستقراره . ولعل واشنطن تستبعد ايضاً ان يكون في مقدور الاخوان الانفراد بالسلطة لأنهم مضطرون الى التعاون مع قوى اخرى فاعلة، وان من شأن ذلك تهدئة الشارع وترصين المشهد السياسي، ومساعدة الجميع على اعطاء اولوية مطلقة لمعالجة الازمة الإقتصادية قبل الانشغال بقضايا سياسية تحتمل التأجيل كمعاهدة السلام مع «اسرائيل» .
هكذا يتضح من معاينة موقف الولايات المتحدة من ازمة مصر الراهنة ان لا موقف ثابتاً لها، سلبياً او ايجابياً، من الاخوان المسلمين خاصةً والاسلاميين عامةً على مستوى المنطقة . فهي تحدد موقفها بحسب مصالحها من جهة، وخصوصية كل بلد من جهة اخرى. لذلك تعادي حركة «حماس» الإسلامية المقرّبة من الاخوان المسلمين لأنها معادية لـِ «اسرائيل» على نحوٍ يسيء الى سياسة واشنطن الحاضنة للكيان الصهيوني . لكنها تؤيد الاخوان المسلمين في حربهم على النظام السوري، بينما تتحفظ عن أنشطة الإسلاميين عموماً في لبنان مخافة ان يشكلوا ستاراً يختفي وراءه تنظيم «القاعدة» . فهي وإن كانت تحرص على تزويد المعارضة المسلحة في سورية، عبر لبنان وتركيا، بالاسلحة والمعدات، إلاّ انها تحرص على عدم وقوعها في ايدي نشطاء «القاعدة» . في هذا السياق، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» ان مجموعة من عملاء الاستخبارات الاميركية تنشط بسرية في جنوب تركيا لتحديد الوجهة التي تسلكها شحنات الاسلحة المرسلة الى مناهضي النظام السوري خوفاً من وقوعها في يد «القاعدة»، سيما وان «نقل الاسلحة يتم بواسطة شبكة غامضة من الوسطاء بمن فيهم الاخوان المسلمون»!
هذا ما حدث في تركيا قبل واقعة إسقاط طائرتها الحربية فوق المياه الإقليمية السورية . اما في لبنان فإن ثمة جهات، غير الاخوان المسلمين، تحاول توظيف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في إيواء افراد ومجموعات متطرفة لاستخدامها ضد الجيش اللبناني بقصد حمله على التزام ثكنه بدعوى تجنيبه الاتهام بأنه يحابي جماعة مذهبية على حساب جماعة اخرى ! بذلك يصبح الأمن مكشوفاً والبلد مفتوحاً على شتى الاحتمالات.
في الوقت الضائع، يبدو الجميع ضائعين.  

السابق
تيّار المستقبل أمام الحوار: السلاح لا الاستراتيجيا
التالي
عن الرجل الواقف على شرفة منزله مراقباً الأطفال الطائفيين