سنة سابعة حوار وطني!

يبتسم أحد الظرفاء في الحديث عن الحوار «الموعود». يتذكّر الحوار «المعهود». وبين الموعود والمعهود، «ذهَبَ الحوارُ بأُمِّ عَمْروٍ… فلا رَجِعَتْ ولا رَجِعَ الحوارُ»!

من آذار 2006 إلى حزيران 2012. سنة سابعة – إختصاص حوار وطني. عادةً، يُقال إنّ سبعَ سنوات تكفي لتعليم أيّ كان… أيّ إختصاص. لكنّ السبع العجاف ليست كافية لفكّ الألغاز حول الستراتيجية الدفاعية. وهناك مِن طِوالِ العمر مَن يراهن على النجاح في السنين السبع الآتية – إختصاص حوار وطني… ويُصدِّق أنّه سيعيش ويشاهد يوماً "أُمَّ عَمْروٍ" وقد غيَّرت عاداتِها الستراتيجية.

تبيّن أنّ "المؤمِن" يُلدَغ من الجُحْر نفسه مرّات متتالية، ويبقى مصرّاً على أنّه "مؤمِن". وتبيَّن أنّ الرهان على إضعاف 14 آذار ليس صعب التحقيق، بل إنّه يصبح أكثر سهولةً يوماً بعد يوم. ولم يعُدْ واضحاً، في المناسبات التي تجلس فيها 14 آذار أمام المرآة، لتجْرد حساباتها، وتعترف بأنّها ارتكبت أخطاء أوصلتها إلى الهزيمة، هل هي تدرك ما هي هذه الأخطاء تحديداً… وبالتفصيل؟! وهل تَعتبر 14 آذار أنّ انضواءها في جلسات الحوار العقيمة كان ضمن هذه الأخطاء أم لا؟

وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا سارعت في البداية إلى إعلان رفضها القاطع لجلسة اليوم؟ أمّا إذا كانت تَعتبر مشاركاتها الحوارية السابقة من ضمن أخطائها، فلماذا عادت وذهبت هذه المرّة أيضاً، راضِيةً مَرْضِيَّةً، إلى حيث أريدَ لها أن تُقدِّم تنازلاً جديداً، وربّما مميتاً.

3 أهداف بدلاً من إثنين

راهن "حزب الله" على أنّه، من خلال "زَرْكِ" قوى 14 آذار بالحوار "غير المشروط"، سيحقّق واحداً من هدفين:

– إمّا أن يشارك هذا الفريق في الحوار ويضطرّ إلى الاعتراف بكلّ الوقائع التي تمّ ترتيبها، أي أن ينزلق في تنازلات جديدة، وقد تكون خطرة أكثر من التنازلات السابقة، في ما يتعلّق بملفّات السلاح اللبناني على أنواعه، والفلسطيني على أنواعه، والمحكمة والحكومة والانتخابات وسوريا.

– وإمّا أن يقاطع الحوار فيسهل استثمار هذا الرفض سياسيّاً وإعلاميّاً، في الأوساط العربية والدولية ولدى الرأي العام اللبناني، لتصوير الفريق وكأنّه سلبيّ ورافض للتسويات. وتالياً، المطالبة "بمعاقبته" من خلال إبعاده عن القرار. فالـ"موجة" العربية والدولية تريد اليوم حواراً على الأقلّ في الشكل يمنع الفتنة، في انتظار جلاء الوضع في سوريا.

ومن السهل تسويق نظرية تقول إنّ 14 آذار، برفضها للحوار، تتحمّل المسؤولية عن اندلاع الفتنة. وهذه النظرية تضرب رصيد 14 آذار لدى القوى العربية والدولية التي تدعمها كالمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وأوروبا الغربية.

لكنّ فريق 14 آذار كان كريماً مع "حزب الله" وحلفائه. حقّق لهم ثلاثة أهداف بدلاً من إثنين: الهدف الأوّل هو إقرار غالبية قوى 14 آذار بالمشاركة في الحوار. والهدف الثاني هو استفراد "القوات اللبنانية"وتصويرها وكأنّها وحدها سلبية ورافضة للحوار. وأمّا الثالث فهو إهداء "حزب الله" وحلفائه شهادة جديدة على وجود تباين، في داخل 14 آذار. وهذا الهدف أخطرُ الأهداف الثلاثة.

الصورة و"الكادْر"

في لحظات "وجدانية" سابقة، تعاهدت قوى 14 آذار على البقاء موحّدة، أيّاً كانت الضغوط والظروف. وقيل: "الاتّحاد، ولو على الخطأ، أفضل من الانقسام، ولو على الصواب". واليوم يختار فريق 14 آذار الانقسام… ومن أجل الخطأ لا الصواب!

وراهن "حزب الله"، المنغمس تماماً بارتباطاته الإقليمية، على أنّ "تيار المستقبل" لن يستطيع أن يقول "لا" لمبادرة تباركها المملكة العربية السعودية، ومثله "القوات اللبنانية". وقد بات في يده ذريعة للقول إنّ النِصْف الأوّل من هذه المقولة صحيح، أي أنّ هناك طرفاً في 14 آذار لا يمكنه أن يواجه الرغبات الإقليمية.

وفي 14 آذار، وحتى "تيار المستقبل"، هناك مَن يثق في أنّ نموذج الـ"س – س" هو الذي أوصل الرئيس سعد الحريري إلى الانفتاح المرير والمكلف على الرئيس بشّار الأسد، والذي ندم عليه كثيراً.

واليوم، هناك انطباع بأنّه كان يمكن لفريق 14 آذار، لو صمد متضامناً في وجه الضغوط، أن يقنع العرب والعالم بأنّه على حقّ.

على الطاولة الفضفاضة في بعبدا اليوم، سيتغطّى فريق 14 آذار بـ"ورقة". هي ليست "ورقة تين"، تلك الورقة التي رفعها إلى رئيس الجمهورية أمس، لتبرير المشاركة أمام نفسه وجماهيره أوّلاً، وأمام الرأي العام المحلّي والعربي والدولي الذي استمع مراراً إلى "إعترافات" 14 آذار بالأخطاء الحوارية السابقة.

"كادْرُ" الصورة في بعبدا ينقصه سمير جعجع. لكنّ الصورة تبدو أكثر وضوحاً لدى جعجع. وما كانت خسارة 14 أكبر من تلك التي تصيبها اليوم وستصيبها، لو أعلنت موقفاً واحداً تُواجه فيه المسرحية الحوارية المطروحة، على غرار ما فعلت "القوات اللبنانية". فالمبرّرات الخارجية التي فرضت المشاركة على 14 آذار ليست سوى نسخة من تلك التي لطالما فرضت نفسها على القوى اللبنانية وأورثت الحرب الأهلية منذ العام 1975.

ألم يكن رفض الرضوخ للإرادات الخارجية، والتصدّي لاستخدام لبنان صندوق بريد للرسائل، والتمسك بالقرار السيادي هو المنطلق الذي عليه قامت "ثورة الأرز"؟ وهل كانت تجربة الخضوع "لإنحناء الرؤوس في انتظار أن يأتي الفرج من الخارج" ناجعة، أم أنّها كانت السبب في هيمنة سوريا بمباركة عربية ودولية على لبنان لسنوات، وهل أوقفت الاغتيالات ومحاولات الاغتيال النصيحةُ التي قدّمها وليد جنبلاط للرئيس رفيق الحريري بـ"تمرير القطوع" والتصويت لمصلحة التمديد للرئيس إميل لحّود؟

سيكون مكلفاً جدّاً استمرار 14 آذار في النهج الذي تسير به. فحوار ساحة النجمة أفقدها انتصار 2005، والحوارات التالية أفقدتها السلطة والأكثرية، والحوار اليوم سيُفقِدها ذاتها.
وفي كلّ الحالات، بقيت 14 آذار تعترف بالخطأ… الذي تعيد ارتكابه، مراهِنَةً على… لا شيء!

وحتى إثبات العكس، يزداد الانطباع بأنّ هناك القليل من المحترفين في فريق 8 آذار يواجهون الكثير من الهواة في فريق 14 آذار!  

السابق
التنسيق الأمني
التالي
خلافات داخلية