سوريو الضاحية خطر داهم !

حزب الله يتخذ إحتياطات أمنية في مناطق نفوذه الشيعية، من مظاهرها أنه انتقل أخيرًا من مرحلة إحصاء عديد المواطنين السوريين المقيمين في مناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، الذي باشره بعد أشهر قليلة من انطلاق الثورة السورية، الى مرحلة الحد من اعدادهم، عبر ابلاغ البعض منهم في الضاحية وغيرها بضرورة المغادرة، بتهمة حيازتهم السلاح. تماما كما حصل في عشرات المؤسسات التجارية المحيطة بمبنى الجامعة اللبنانية في الحدث لجهة منطقة المريجة. وتم ذلك بالقوة بعدما رفض بعضهم المغادرة، إذ تم ترهيبهم بإطلاق النار في الفضاء. وتم ابلاغ المقيمين من اللبنانيين ان حزب الله يطردهم بسبب حيازتهم الاسلحة وانتمائهم للمعارضة السورية.
يترافق مع ذلك تزايد الاعتداءات التي تطال تجمعات العمال السوريين والافراد منهم في اكثر من منطقة. وتشير مصادر امنية الى انه منذ تنفيذ عملية خطف اللبنانيين الشيعة في سورية فإن 30 في المئة من السوريين المقيمين في المناطق الشيعية غادروها اما باتجاه سورية او الى مناطق لبنانية لا يطغى عليها الحضور الشيعي. وعملية "تهشيل" السوريين تنطوي في احد اوجهها بحسب أحد المراقبين، على الحؤول دون تحولهم الى قوة في الصراع الداخلي بعد سقوط النظام السوري، ومع ترجيح انتقالهم من قوة داعمة لـ"الممانعة" في السنوات السابقة الى مواجه لها اليوم ولاحقا.

تترافق هذه التطورات الميدانية مع معلومات يجري تسريبها الى كوادر وسطية في حزب الله مفادها ان توقعات القيادة في حزب الله بقدرة النظام السوري على الصمود تراجعت لحساب ترجيحات سقوطه خلال الاشهر المقبلة، وان مخاطر حصول مواجهة عسكرية في لبنان يجب ان تُدرج ضمن الحسابات المحتملة خلال الاشهر القليلة المقبلة. وهي مواجهة بحسب هذه الكوادر "قدرية".
المعطى السوري اذاً يتضخم في وجه حزب الله ويفرض ايقاعه على ادائه وسلوكه الامني والسياسي، فطبيعة المجازر التي يرتكبها النظام السوري، وإصراره على الحل الامني، وتراجع خطابه السياسي، تكاد تشبه عوارض سقوط نظام القذافي في ليبيا، الذي بقي مصرا على انه الشعب وانه يستعد لتوجيه الضربة القاضية للمتآمرين، فيما كان النظام ينهار، مع حفظ الفارق في الشكل بين النظامين وتطابق الجوهر.

النظام السوري بدأ تنفيذ سياسة "…ومن بعدي الطوفان"، وانتقل من خطاب المماحكة السياسية الى خطاب الجنون، وهذه مؤشرات تفرض على حزب الله، ولو متأخرًا، مراجعة موقفه من الثورة السورية واعادة القراءة وعدم ايغاله في تفويت الفرص التاريخية التي اتيحت خلال السنوات السابقة لبنانيا وعربيا ودوليا. وتفرض عليه الخروج من الشرنقة التي تضيق من حوله ومن حول الشيعة، وحول مشروع المقاومة وان يدرك مسؤوليته في الحد من حرفة زيادة الاعداء وخسارة الاصدقاء.

في الحرب الاهلية لا تعود نوعية السلاح تنفع، ومخاطر حصول هذه الحرب واردة فيما لو استمر حزب الله في موقفه بدعم النظام السوري. فليس خافيا عليه ولا على جمهوره ان ثمة كتلة سنية تتشكل وتتناغم وتتغذى من هذه المواجهة التي ادرج نفسه فيها ولم يتحسب لها. لا بل يشهد كيف ان ما يسميه "مشروع المقاومة" يتقهقر امام عينيه فيما يختار الاحتياطات الامنية على حساب الاحتياطات السياسية بسبب اضفاء البعد المبدئي (الوهمي) لعلاقته مع النظام السوري. فهو بدل ان يلحق منطق المقاومة، إنحاز الى التزاماته الشخصية والحزبية مع النظام السوري. اذ كيف يمكن أن تحمي المقاومة بأن تفقدها قاعدتها الشعبية ومناصريها ومؤيديها على امتداد العالم العربي، التي شكلت مصادر قوتها طيلة العقود الماضية ومصدر اعتزاز لها. فالعمق العربي هو العمق الموضوعي لأي مشروع مقاومة والتفريط في هذا العمق او معظمه هو بدعم نظام يمارس القتل ضد شعبه. هكذا تنظر اليه معظم الشعوب العربية.

ولا يستطيع عاقل في المقاومة ان يضع الواقع العربي خارج حساباته والتوهّم بأنه يستطيع ان يكمل مشروع المقاومة وهو يدير ظهره لهذه الشعوب في الموقف من الثورة السورية الناهضة لتغيير واقعها من الاستبداد الى الديمقراطية. ومهما كانت الالتزامات السورية لحزب الله فهي لن ترقى في نظام المصالح الى مستوى الخسائر التي يتلقاها مشروع المقاومة، وتتلقاها الطائفة الشيعية في لبنان التي باتت اليوم حصنه الوحيد.

التهجير الجماعي والكلفة التي يقدمها حزب الله على مذبح دعم النظام السوري يجهضان مشروعه المقاوم بارادته او رغما عنه بانتقاله العملي من مهمة تحرير القدس الى وظيفة حماية الشيعة من بعض اخوانهم السنّة.
 

السابق
آبادي: ندعم الحوار الذي دعا اليه الرئيس سليمان
التالي
اللواء: مقاربة رئاسية جديدة للحوار الإثنين وإتفاق على آلية قضائية لتسمية رئيس مجلس القضاء